الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

عنترة بن شداد

عنترة بن شداد بن قراد العبسي (525 م - 608 م) هو أحد أشهر شعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام، وأشتهر بشعر الفروسية، وله معلقة مشهورة. وهو أشهر فرسان العرب، وشاعر المعلقات والمعروف بشعره الجميل وغزله العفيف بعبلة.

اسمه

اشتقاق اسم عنترة من ضرب الذباب يقال له العنتر وإن كانت النون فيه ليست بزائدة فهو من العَتْرِ والعَتْرُ الذبح والعنترة أيضاً هو السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب. وإن كان الأقدمون لا يعرفون بأيهما كان يدعى: بعنتر أم بعنترة فقد اختلفوا أيضاً في كونه اسماً له أو لقباً. وكان عنترة يلقب بالفلحاء، من الفلح أي شق في شفته السفلى وكان يكنى بأبي الفوارس لفروسيته ويكنى بأبي المعايش وأبي أوفى وأبي المغلس لجرأته في الغلس أو لسواده الذي هو كالغلس، وقد ورث ذاك السواد من أمه زبيبة، إذ كانت أمه حبشية وبسبب هذا السواد الكثيف عده القدماء من أغرب العرب.

درج بعض الرواة على تسمية عنترة باسم عنتر أحياناً، ولربما استناداً إلى ما سمعوه من قوله:

يدعُونَ عنترُ والرّماحُ كأنّها
أشطانُ بئر في لبَان الأدهمِ

وقوله في موضع ثان:

ولقَد شفَى نفسِي وأبرَأ سُقمها
قيل الفَوارس ويْك عنتر أقدمِ

وقد شرح الخطيب التبريزي البيت الأول بقوله: "ويروى عنتر-أي بالضم- فمن رواه بفتح الراء فإنه رخّم عنترة وترك ما قبل المحذوف على حاله مفتوحاً، ومن روى عنتر وضمّ الراء احتمل الوجهين: أحدهما أن يكون قد جعل مابقي اسماً على حاله إلّا أنه قد صار طرفاً كحرف الأعراب، والثاني مارواه المبرّد عن بعضهم أنه كان يسمى "عنتراً"، فعلى هذا الوجه لا يجوز إلا الضمّ، هكذا ذكره النحاس، ويجوز أن يكون عنتر على هذا الوجه منصوباً بـ"يدعون" ". ويذكر شارح القاموس أنه "قد يكون اسمه عنتراً كما ذهب إليه سيبويه". على أن المتواتر في الكتب المعتمدة وماعليه الكثيرون هو أن اسمه "عنترة" لا "عنتر" والعنترة السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب، وهذا أقرب إلى مسمى فارس بني عبس.[1]

مولده ونشأته

ولد عنترة في الربع الأول من القرن السادس الميلادي [2] ، وبالاستناد إلى أخباره، واشتراكه في حرب داحس والغبراء فقد حدّد ميلاده في سنة 525م. تعزّز هذه الأرقام تواتر الأخبار المتعلّقة بمعاصرته لكل من عمرو بن معدي كرب والحطيئة وكلاهما أدرك الإسلام[3].

أمه كانت أميرة حبشية يقال لها زبيبة ررغر، أُسرت في هجمة على قافلتها و أعجب بها شداد فأنجب منها عنترة، وكان لعنترة اخوة من أمه عبيد هم جرير وشيبوب. وكان هو عبداً أيضاً لأن العرب كانت لا تعترف ببني الإماء إلا إذا امتازوا على أكفائهم ببطولة أو شاعرية أو سوى ذلك[4].

نسبه

هو: عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة وقيل عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر.[5]
صفاته

وُلد عنترة لأب عربيّ وأمّ حبشيّة، فجاء مختلفاً عن بقية أقرانه في ضخامة خلقته وعبوس وجهه وتلفلف شعره وكبر شدقيه وصلابة عظامه وشدة منكبيه،وطول قامته، وشبه خلقته لأبيه شداد.[6]

حياته في العبودية

ذاق عنترة مرارة الحرمان وشظف العيش ومهانة الدار لأن أباه لم يستلحقه بنسبه، فقد كان أبوه هو سيده، يعاقبه أشد العقاب على مايقترفه من هنات، وكانت سمية زوجة أبيه تدس له عند أبيه وتحوك له المكائد، ومن ذلك أنها حرشت عليه أباه مرة، وقالت له: "إن عنترة يراودني عن نفسي". فغضب أبوه غضباً شديداً وعصفت برأسه حميته، فضربه ضرباً مبرحاً بالعصا وأتبعها بالسيف، ولكن سمية أدركتها الرحمة في النهاية فارتمت عليه باكية تمنع ضربات أبيه، فرقّ أبوه وكفّ عنه. فاعتبر عنترة بشعر يقول فيه[7]:

أمِــن سميـة دمع العين تذريـفُ
لو أن ذا منك قبل اليوم معروف
كأنها يــوم صــدّت مــاتكلمني
ظبي بعسفان ساجي الطرف مطـروف
تجلّلتني إذ أهــوى العصا قِبلي
كأنهـا صنــم يُعتــاد معكــوف
المــال مـالكم والعبد عبـدكم
فهــل عذابك عني اليـوم مصروف
تنسى بلائي إذا مـاغـارة لقحـت
تخرمنها الطـــوالات السـراعيف
يخرجن منها وقد بلّت رحــائلها
بالماء يركضها المُرد الغطاريف
قد أطعنُ الطعنة النجلاء عن عرضٍ
تصفر كــف أخيها وهــو منـزوف
لا شك للمـرء أن الـدهر ذو خلف
فيه تفــرّق ذو إلــف ومــألوف
استلحاقه بنسب أبيه

ذلك أن قبيلة طيء أغارت على عبس في ثأر لها، إذ سبق لقبيلة عبس أن غزتها واستاقت إبلها، وكان عنترة مع بني قومه في حومة النزال، ولكنه اشترك مدافعاً لا مهاجماً، وسبب ذلك ما روي أنه شارك من قبل في غزو طيء، ولكنهم بخسوه حقه في الغنائم، إذ فرضوا له نصيب العبد منها وهو النصف فأبى، ومن ثم تقاعس عن الخوض في المعركة. واشتد الخطب على بني عبس حتى كادت أن تُسلب خيراتها وتدور عليها الدوائر، وحينئذ صاح بعنترة أبوه قائلاً: "كُرّ ياعنترة!"، فأجاب عنترة على النداء: "لا يحسن العبد الكر الا الحلاب والصر". وفي تلك اللحظة لم يجد أبوه بدلاً من أن يمنحه اعتباره فصاح به: "كُرّ وأنت حر". فكرّ عنترة وراح يهاجم وهو ينشد:

أنا الهجين عنترة كل امرئ يحمي حرَه
أســودَه وأحمــرَه والشعرات المشعره
الواردات مـــشفــــره
وكان النصر لبني عبس فاحتفلت القبيلة بعنترة وكرمته[2].

عنترة وعبلة


صورة حديثة لصخرة في منطقة الجواء، السعودية حيث يقال بأن عنتر كان يقابل حبيبته عبلة
أحبّ عنترة ابنة عمه عبلة بنت مالك أعظم الحب وأشده، وكانت من أجمل نساء قومها وأبعدهم صيتاً في اكتمال العقل ونضرة الصبا، ويقال إنه كان من أقسى مايعيق هذا الحب صلف أبيها مالك وأنفة أخيها عمرو.

تقدم عنترة إلى عمه مالك يخطب ابنته عبلة، ولكنه رفض أن يزوج ابنته من رجل أسود. ويقال: إنه طلب منه تعجيزاً له وسداً للسبل في وجهه ألف ناقة من نوق النعمان المعروفة بالعصافير مهراً لإبنته، ويقال: إن عنترة خرج في طلب عصافير النعمان حتى يظفر بعبلة، وإنه لقي في سبيلها أهوالاً جساماً، ووقع في الأسر، ثم تحقق حلمه في النهاية وعاد إلى قبيلته ومعه مهر عبلة ألفاً من عصافير الملك النعمان. ولكن عمه عاد يماطله ويكلفه من أمره شططاً، ثم فكر في أن يتخلص منه، فعرض ابنته على فرسان القبائل على أن يكون المهر رأس عنترة.

ثم تكون النهاية التي أغفلتها المصادر القديمة وتركت الباحثين عنها يختلفون حولها، فمنهم من يرى أن عنترة فاز بعبلة وتزوجها، ومنهم من يرى أنه لم يتزوجها، وإنما ظفر بها فارس آخر من فرسان العرب[8].

وقد سكتت المصادر العربية عن ذكر عبلة إلا في مجال تشبيب عنترة بها وحبه لها، فلم تنوّه عما إذا كان قد تزوج بها أم بقي حبه معلقاً. حيث ذهب البعض إلى القول بأن عنترة لم يتزوج عبلة، بل تبتل في حبها، وأن أباها وأخاها منعاه من زواجها، وأنها زوجت أحد أشراف قومها على رغم عنترة. وقد قاس أصحاب هذا الرأي قولهم هذا قياساً على عادة العرب من منعها بناتها أن يزففن إلى من يشبب بهن قبل الزواج.

ويميل البعض إلى الرأي القائل أن عنترة تزوج عبلة لعوامل وأسباب، منها أنه قد استحلق بنسب أبيه فزالت عنه هجنة النسب وأصبح ابن عم لعبلة، ثم إنه كان من أشهر فرسان قبيلة بني عبس بل فارس من فرسان العرب، وقوته وفروسيته مما لا يغفله من حسابه من يريد زواج عبلة، إذ إنه سيتعرض لانتقام عنترة وثأره لكرامته[7].

وفاته

انتهت حياة عنترة بعد أن بلغ من العمر تسعون عاماً تقريباً، فقد كانت حياته منحصرة بين سنتي 525 و615 ميلادية، وذكر الزركلي في الأعلام أن وفاته كانت في عام 600 ميلادية، وهو مايوازي العام الثاني والعشرين قبل الهجرة[7].

وذكر في نهاية عنترة روايات عدة، على أن الرواية المتداولة والمرجّحة هي رواية صاحب الأغاني بقوله أن عنترة أغار على بني نبهان من طيء فطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول: آثار ظُلمان بقاعٍ محربٍ.

قال: وكان زرّ (وقيل وزر) بن جابر النبهاني في فتوّة، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه (أي ظهره)، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح:

وإنّ ابن سلمى عنده فاعلموا دمي
وهيهات لا يُرجى ابن سلمى ولا دمي
يحلّ بأكناف الشعاب وينتمي
مكان الثريّا ليس بالمتهضّم
رماني ولم يدهش بأزرق لهذمٍ
عشيّة حلّوا بين نعفٍ ومخرمٍ
قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقّب بالأسد الرهيص الطائي.[9]

معلقته
معلقة عنترة بن شداد، هي إحدى معلقات الشعر، نظمها عنترة بعد أن عايره رجل بأنه لا يقول الشعر وأنه عبد أسود، وذكر محبوبته عبلة. تحتوي هذه المعلقة على 75 بيتا.

‎نص المعلقة

‎هل غادر الشعراء من متردم
‎أم هل عرفت الدار بعد توهم
‎يا دار عبلة بالجواء تكلمي
‎و عمي صباحاً دار عبلة و اسلمي
‎فوقفت فيها ناقتي و كأنها
‎فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
‎و تحل عبلة بالجواء و أهلنا
‎بالحزن فالصمان فالمتثلم
‎حييت من طللٍ تقادم عهده
‎أقوى و أقفر بعد أم الهيثم
‎حلت بأرض الزائرين فأصبحت
‎عسراً علي طلابك ابنة محرمٍ
‎علقتها عرضاً و أقتل قومها
‎زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم
‎و لقد نزلت فلا تظني غيره
‎مني بمنزلة المحب المكرم
‎كيف المزار و قد تربع أهلها
‎بعنيزتين و أهلنا بالغيلم
‎إن كنت أزمعت الفراق فإنما
‎زمت ركابكم بليلٍ مظلم
‎ما راعني إلا حمولة أهلها
‎وسط الديار تسف حب الخمخم
‎فيها اثنتان و أربعون حلوبةً
‎سوداً كخافية الغراب الأسحم
‎إذ تستبيك بذي غروبٍ واضحٍ
‎عذبٍ مقبله لذيذ المطعم
‎و كأن فارة تاجرٍ بقسيمةٍ
‎سبقت عوارضها إليك من الفم
‎أو روضةً أنفاً تضمن نبتها
‎غيثٌ قليل الدمن ليس بمعلم
‎جادت عليه كل بكرٍ حرةٍ
‎فتركن كل قرارةٍ كالدرهم
‎سحاً و تسكاباً فكل عشيةٍ
‎يجري عليها الماء لم يتصرم
‎و خلا الذباب بها فليس ببارحٍ
‎غرداً كفعل الشارب المترنم
‎هزجاً يحك ذراعه بذراعه
‎قدح المكب على الزناد الأجذم
‎تمسي و تصبح فوق ظهر حشيةٍ
‎و أبيت فوق سراة أدهم ملجم
‎وحشيتي سرجٌ على عبل الشوى
‎نهدٍ مراكله نبيل المخرم
‎هل تبلغني دارها شدنيةٌ
‎لعنت بمحروم الشراب مصرم
‎خطارةٌ غب السرى زيافةٌ
‎تطس الإكام بوخد خفٍ ميتم
‎و كأنما تطس الإكام عشيةً
‎بقريب بين المنسمين مصلم
‎تأوي له قلص النعام كما أوت
‎حذقٌ يمانيةٌ لأعجم طمطم
‎يتبعن قلة رأسه و كأنه
‎حدجٌ على نعشٍ لهن مخيم
‎صعلٍ يعود بذي العشيرة بيضه
‎كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم
‎شربت بماء الدحرضين فأصبحت
‎زوراء تنفر عن حياض الديلم
‎وكأنما تنأى بجانب دفها الـ
‎ـوحشي من هزج العشي مؤوم
‎هرٍ جنيبٍ كلما عطفت له
‎غضبى اتقاها باليدين وبالفم
‎بركت على جنب الرداع كأنما
‎بركت على قصبٍ أجش مهضم
‎وكأن رباً أو كحيلاً معقداً
‎حش الوقود به جوانب قمقم
‎ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرةٍ
‎زيافةٍ مثل الفنيق المكدم
‎إن تغدفي دوني القناع فإنني
‎طبٌ بأخذ الفارس المستلئم
‎أثني علي بما علمت فإنني
‎سمحٌ مخالقتي إذا لم أظلم
‎وإذا ظلمت فإن ظلمي باسلٌ
‎مرٌ مذاقه كطعم العلقم
‎ولقد شربت من المدامة بعدما
‎ركد الهواجر بالمشوف المعلم
‎بزجاجةٍ صفراء ذات أسرةٍ
‎قرنت بأزهر في الشمال مفدم
‎فإذا شربت فإنني مستهلكٌ
‎مالي وعرضي وافرٌ لم يكلم
‎وإذا صحوت فما أقصر عن ندىً
‎وكما علمت شمائلي وتكرمي
‎وحليل غانيةٍ تركت مجدلاً
‎تمكو فريصته كشدقٍ الأعلم
‎سبقت له كفي بعاجل طعنةٍ
‎ورشاش نافذةٍ كلون العندم
‎هلا سألت الخيل يا بنة مالكٍ
‎إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
‎إذ لا أزال على رحالة سابحٍ
‎نهدٍ تعاوره الكماة مكلم
‎طوراً يجرد للطعان وتارةً
‎يأوي إلى حصد القسي عرمرم
‎يخبرك من شهد الوقيعة أنني
‎أغشى الوغى وأعف عند المغنم
‎ومدجج كره الكماة نزاله
‎لا ممعنٍ هرباً ولا مستسلم
‎جادت له كفي بعاجل طعنةٍ
‎بمثقفٍ صدق الكعوب مقوم
‎فشككت بالرمح الأصم ثيابه
‎ليس الكريم على القنا بمحرم
‎فتركته جزر السباع ينشنه
‎يقضمن حسن بنانه والمعصم
‎ومسك سابغةٍ هتكت فروجها
‎بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
‎ربذ يداه بالقداح إذا شتا
‎هتاك غايات التجار ملوم
‎لما رآني قد نزلت أريده
‎أبدى نواجذه لغير تبسم
‎عهدي به مد النهار كأنما
‎خضب البنان ورأسه بالعظلم
‎فطعنته بالرمح ثم علوته
‎بمهندٍ صافي الحديدة مخذم
‎بطلٍ كأن ثيابه في سرحةٍ
‎يحذى نعال السبت ليس بتوءم
‎يا شاة ما قنصٍ لمن حلت له
‎حرمت علي و ليتها لم تحرم
‎فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي
‎فتجسسي أخبارها لي و اعلم
‎قالت رأيت من الأعادي غرةً
‎و الشاة ممكنةٌ لمن هو مرتم
‎و كأنما التفتت بجيد جدايةٍ
‎رشأٍ من الغزلان حرٍ أرثم
‎نبئت عمراً غير شاكر نعمتي
‎و الكفر مخبثةٌ لنفس المنعم
‎و لقد حفظت وصاة عمي بالضحا
‎إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
‎في حومة الحرب التي لا تشتكي
‎غمراتها الأبطال غير تغمغم
‎إذ يتقون بي الأسنة لم أخم
‎عنها و لكني تضايق مقدمي
‎لما رأيت القوم أقبل جمعهم
‎يتذامرون كررت غير مذمم
‎يدعون عنتر و الرماح كأنها
‎أشطان بئرٍ في لبان الأدهم
‎ما زلت أرميهم بثغرة نحره
‎و لبانه حتى تسربل بالدم
‎فازور من وقع القنا بلبانه
‎و شكا إلي بعبرةٍ و تحمحم
‎لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
‎و لكان لو علم الكلام مكلمي
‎و لقد شفى نفسي و أبرأ سقمها
‎قبل الفوارس ويك عنتر أقدم
‎وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً
‎مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ
‎ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي
‎لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ
‎وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر
‎لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ
‎الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُما
‎وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي
‎إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُما
‎جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِا

الأحد، 9 أكتوبر 2016

معارك الزناتي خليفة مع بني هلال

‎خليفه بن بدير بن زنات بن صولات بن جديلان بن عبدالله بن الرحال بن شداد بن كعب بن معاوية الأخيل بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن

هو الحاكم الثالث لتونس بعد جده زنات وابوه بدير
وكان فارس شجاع يمتاز بالحكمة والعقل وهو الذي حارب التشيع بشمال افريقيا في القرن السابع هجريا


حربه مع الهلاليين:
‎جاء شعار الى الأمير حسن بن سرحان أمير بني هلال فمدحوه كما جرت العادة أعطاهم هدايا وكان من ضمن هذه الهدايا جارية تسمى مي فشكره على هذا الجمــــيل ثم ذهـــــبوا حتى وصلــــوا تونس ودخلوا على الزناتي ومدحوه فأحسن إليهم ثم باعوا تلك الجارية على سعداء بنت الزناتي وكانت بنت الزناتي من أجمل البنات تتصف بالإنس والمحاسن وتجالس الادباء وقد شاع ذكرها في جميع الأماكن (وكانت تسمى بالصفيرا) وفي ذات يــــــوم سألت تلك الجارية عن سبب وقوعها في أيدي أولئك القوم فأخبرتهم بالقصة وكيف أن الأمير حســـــــن أوهبها لهم على سبيل الهدية فقالت وهل يوجد مثلي بين نســــاء العــــرب فقالت الجــــارية انه يوجـــــد مـن يشبهك في الجمال والمكارم والشيم وهو الأمير مرعي ولد الأمير حسن أمير بني هلال فلما سمعت سعداء هذا الكلام تعلق قلبها بمرعي فقالت سعداء إذا كان كلامك هو حقيقي فأوصفية فأخذت مي توصفه لها شعرا وعندما أفرغت قالت سعــداء قومـــي بنا الى البســـــتان وانا اضرب هناك الرمل وانظـــــر أحوال من ذكرتي فقد تعلق قلبي بهم وضربت الرمل فتأكدت من ذلك وبين هما في الحديث إذا اقبل عليهم العلام ابن عم الزناتي ونائبة فسلم عليهم وكان مشهورا في ضرب الرمل فطلب منه أن يضرب الرمـل ويخــــــبرها بما يراه فكشف لها أخبار وان هؤلاء قادمون فطلبت منه أن يكتم ذلك فأجابها ووعدها بالمساعدة ثم ودعها وذهب الى الصيد .
‎أما أبو زيد الهلالي فقد وصل الى تونس ومعه مرعي ويحي يونس وكان ذلك في الظــــــلام فبــأتوا خــــــارج المدينة وفي اليوم التالي ذهبوا يتأملون في مبانيها وأبراجها وقلاعها وأنهارها الغزيرة وخيراتها الكثيرة وقاموا يتعرفون عليها ويتبصرون كيف يكون الهجوم عليها ثم دخلوا بستان واخذوا يأكلون من ثماره وفجأه اقبل عليهم فرسان ليقبضوا عليهم حيث أرسلهم الزناتي لما بلغة أمرهم من بعض الفرسان بأنهم في البستان فلما نظرا ابوزيد ذلك الفعل استعد للحرب والقتال وهجم عليهم فقتل منهم عدة رجال ولم يستطيعوا عليه فتكاثر عليه العساكر وأحاطوا بهم وقبضوا على مرعي ويحيى ويونس وقيدوهم ولم يقدروا على أبو زيد في الحرب والقتال فتقدم اليه العلام ابن عم الزناتي وقال له ماسبب مجيئكم الى هذه البلاد فقال أبو زيد نحن شعراء وعاداتنا نمدح الأمراء والزناتي قد شاع ذكره وكرمه فقصدناه وكان وصولنا مساء ولاننا لانعرف أحدا بتنا في هذا المكان الا أنكم هجمتوا علينا والحقتوا بنا الاذاء وانا أسمي محمود وجماعتي شداد وحماد ومسعود فقال العلام أنت تكذب فأنت أبو زيد الهلالي وجماعتك مرعي ويحي ويونس وقد أتيتم الى هنا لتتعرفوا على بلادنا وعلى أحوالنا وقواتنا ثم تهجمون علينا وتحتلون بلادنا ثم امر الفرسان بالقبض عليه وان لايؤذوه واخذوه مع أصحابة إلى الزناتي فلما دخلوا على الزناتي اخبروه بان هذا الرجل قد الحق بهم الضرر وقتل خيرة فرسانهم فأغتاظ الزناتي من هذا الخبر وقال لأبو زيد مالذي أتاء بكم إلى هنا فقال له مثل ماقال لابن عمة العلام فقال الزناتي لقد كذبت انكم جواسيس علينا ولكم غاية في بلادنا فلابد من قتلكم وكان الزناتي قد استطلع على الأمر عن طريق المنجمين وبعد مشاورة الزناتي للمقربين له استقر الرأي على شنق أبو زيد ومن معه فأخذهم العسكر ومروا بهم من تحت قصر الأميرة سعداء فلما سمعت ضجيج العساكر قامت جاريتها تستطلع الخبر فطلت من الشباك فرات أبو زيد ومرعي ويحي ويونس فصاحت في مولاتها الأميرة سعداء وأخبرتها بان هؤلاء الثلاثة هم مرعي ويحي ويونس وان الرابع العبد هو أبو زيد الهلالي فلما سمعت سعداء الكلام تضايقت لأنها قد تعلقت بمرعي فصاحت على العساكر وقالت لهم ارجعوا إلي أبي بهؤلاء وإياكم إن تقتلوهم وأنا سوف اللحق بكم فلما سمعوا كلامها رجعوا في الحال وهي لبست افخر ثيابها واتت الى أباها ونصحته بعدم قتلهم لعدم ثبوت شئ عليهم


‎وقالت :
‎يايبه لاتذبــــــحون ضـــيوفنا ..... لنا عــــتاده مانذبح الـــــخطار
‎قال :
‎يسعدى قلبي من العبد خــايف ..... يطـــاير من عـــــــيونه شـــــرار
‎أشوف عين الـــــعبد بها نماره ..... يهوم علي لوما الاحبال قصــــار
‎قالت :
‎يايبه هــــــذا عــبد فــي بلاده ..... وعـــــــيونه من كثرالتعبيد كبار
‎قال :
‎ياسعدى قلبي من العبد خايف ..... يهـــــــرج علي هرج وفيهــوعيد
‎قالت :
‎لايايبه والله مامن مــــــــخافه ..... مساكين هزلاء والاهــــــل بعـــيد
‎قال:
‎ياسعدى هــــــذا خيال مجوب ..... وعقبيه من الكد الـــحصان كبــار
‎قالت :
‎لايايبه واللــه مامن مــــــخافه ..... عــــــقبيه من لكد الحصـــــى كبار
‎قال :
‎ياسعدى هـــذا خيال مـــــجرب ..... كفـــــيه من قبض السيــــوف كبار
‎قالت :
‎لا يايبه هذا خباز وراعي مدينه ..... وكفـــيه من لطخ العـــــجــين كبار


‎واقترحت عليه حبسهم في قصرها فوافق على طلبها .
‎فأخذتهم إلى قصرها وقدمت لهم الطعام واجتمعت بمرعي وقالت له كل ولا تخبر أحدا وأحفظ ذلك بالسر ثم فعلت ليحيي ويونس وقالت ليونس أن يرسل لها ابوزيد فلما حضر قدمت له شيئا من الطعام فشكرها على هذا وقسمه الى سبعة أقسام فسألته عن سبب ذلك فقال لها اعلمي انني انا وجماعتي أربعة وأنتي والجارية اثنان والحصة السابعة سأحـــــزمها وأرســــــــــــلها الى ابنة عمي عليا فقالت له سعـــــداء لماذا لاتأكل وحدك فقال .


‎إذا أكلت أنا وجـاعت جمــاعتي ..... فلا عشت عمري لسكــــب الصفائح
‎واذا جمعت أنا وأكلت جماعتي ..... احمد ربي وهو كــــــــريم مسـامح
‎أيا ست زاد اثنين يكـــفي ثلاثة ..... ويكفي أربعة أيا سـت والكل رايـح
‎ويكفي خمسة من أجاويد حينا ..... ويكفـــــي لستة من هلال السـتائح

‎فضحكت سعداء من كلامه وأعجبها وأخرجتهم من الحبس وأحضرتهم الى عندها وأكرمتهم وأخذت تحادثهم وتسألهم عن بلادهم فقال أبو زيد نفس الكلام الذي قاله للغلام والزناتي بأنهم شعراء يأتون لمدح الأمراء طلبا في الثناء عليهم فقالت لهم أنتوا تكذبون فأخبرتهم بأحوالهم وأحوال بلادهم وبما حصل لهم في الطريق وقالت لبو زيد :


‎انا شفتكم من يوم سرتوا من أهلكم ..... ومن يوم تعليتوا على الاكوار

‎فقال أبو زيد :
‎أشوف عـــدينا وعــــــدي ركابنــا ..... وأنا أشــــوف عدينا بغير انكار

‎فقالت :
‎مأنت مـــــرعي ويحـــيى ويونـس ..... وما أنت ابـــو زيــــد يا المــكار
‎تبي بمكرك تاخــــــــذ بالغرب كله ..... وتدعــي قراياها العامرات دمار
‎مارانامن هوى مرعي بليت بحبكم ..... لـــوقطـــعوني بســــيوف بتـار
‎حيــــاة لبيني مــــا أبيح ســـدكم ..... مــن شـان مرعي لو شويت بنار


‎ولما فرغت سعداء من كلامها شكرها أبو زيد على اهتمامها وبأتوا تلك الليلة في سرور ولما أصبح الصبح أمر الزناتي بإحضارهم فلما حضروا قال لابو زيد إذا أطلقناك إلى أن تأتي جماعتكم فكم يوم تغيب عنا وماذا تجيب لنا فقال أغيب ثلاثة شهور وأجيب لك أربع مية إلف مدرع فقال الزناتي وماهو مقصودك من المدرع فأخرج من جيبه قطعة من الفضة وقال هذا هو المدرع ففرح الزناتي بذلك وقال أذهب فقال أعطني عدة حرب وحصان فأعطاه ماطلب وذهب حتى اشرف على وادي الغباين فوجدها كثيرة المياه والنبات وتصلح للحرب والقتال ومرعى للإبل وذهب إلى أماكن أخرى فوجدها أحسن مكان لامتلاك تونس وتعرف على السهول والوديان ولما دخل الى قصر سعداء فرأه مطليا بالرصاص وكان الوقت نصف الليل فأرعدت السماء وأمطرت بشدة فأخذ مرعي ينشد شعرا ممزوجا بالخيبة وكان أبو زيد واقف تحت القصر ويسمع كلام مرعي فراه حارس الباب ففتح له ودخل عندهم وسلم عليهم فقالوا له أين كنت يأبو زيد إلى الآن فقال إنني تهت عن الطريق وانا مسافر الآن واتيت لأودعكم ثم أوصي سعداء عليهم ثم بكى بكاء شديد وودعوه وقال لهم ابوزيد سوف ابذل أقصى جهدي لتخليصكم ثم ودعهم وذهب عنهم وسار لمدة عشرين يوما حتى وصل حلب فجلس في ظل شجرة للراحة فبينما هو جالس اقبل عليه تاجر وحياه وسلم عليه ثم سأله أبو زيد عن حاله فقال أني تاجر قاصد بلاد المغرب فقال له هل تعرف العلام فقال له هو من اعز أصحابي فقال له ابوزيد بأعطيك له كتاب (رسالة ) توصله اليه فوافق التاجرفاخذ أبو زيد يكتب للعلام ويقول : ــ


‎يقول ابو زيد الهـــــــــلالي ســــلامه ..... فمن كان شقــي لاتسعده الايام
‎اوصيك في مرعــــي ويحيى ويونس ..... اولاد اختـــــــي من فــروع اكرم
‎فلابد ماأرجـــــــــــــع اعود وانثني ..... ولابد مااتي بقــــــــــوم لــــــزام
‎بأربع تسعينــــــات الوف عـــدادهم ..... تشبه جرادا منتشـــــر بغمــــــام
‎ولابد مــــن لطمـــــة على باب تونس ..... ويبقى الدما فوق الثـــرى عـوام
‎ولابــد من قـتل الوهـــيدي بصارمي ..... وابقى الزناتي بالقـــــبور ينــام
‎واهـــلك بلاد الـغرب بــــحد صارمي ..... وامـــــلك في الغــــــرب ياغــلام

ثم طوي التاجر الكتاب وذهب الى تونس وعندما قابل العلام اعطاه الكتاب وأما ابو زيد ذهب الى نجد واستقبلوه بنو هلال وقابل الامير حسن وقال أين الأبناء فقال بسجن الزناتي وغضب عليه وقال انت المسؤول فأنت من أخذتهم وانت ماترجعهم فقال ابو زيد لا تخف فانهم في احسن حال وساعيدهم كما اخذتهم وجمع الامير حسن بن سرحان جيشاً يقارب عدد أربعة وعشرين مقاتل ومعهم نسائهم وينقسم هذا الجيش الى ثلاث أقسام قسماً لبني الزحلان بقيادة الامير حسن وقسماً لبني ربيعه بقيادة ابو زيد الهلالي وقسم لبني زعب بقيادة ذياب بن غانم وشدو الرحال الى تونس وهم ذاهبون بالطريق كل ما مروا قبيله او مدينة اخذوا إبلها وغنمها بالقوه ليجمعوا كثيرا من الحلال ليستعدوا لقتالاً طويل مع الزناتيين وعندما وصلوا الى مشارف تونس عزلوا ذياب بن غانم وجيشه ليحرص الإبل والغنم وغضب ذياب وعندما ألحوا عليه قال أوافق بشرط ان اردتوني أشارك بالحرب يأتيني الامير حسن وأبو زيد الهلالي بأنفسهم يطلبوا مني المشتركه فوافقوا واشتدت الحرب وطالت واستمرت الى 10 أشهر وفقدوا بني هلال خيرت فرسانهم وقد أصيب ابو زيد الهلالي وارسلوا الى ذياب بن غانم ورفض ذياب اذهاب اليهم حتى يوفون بشرطه ولكن لضيق الوقت لا يستطيعون الذهاب الى ذياب وكانت الجازيه اخت الامير حسن حاضره في المجلس قالت سوف اجعل الهلاليات يقصن خصلةٍ من شعورهم يستنجدن بذياب وفعلت وارسلت شعور الهلاليات الى ذياب وسرعان ما ركب الخيل وانطلق الى الهلاليين ومع جيشه


واستبشروا الهلاليين بالنصر وقال ابو زيد الهلالي

يقول الهلالي والهلالـي سلامـه
شوف الفجوج الخاليـات تـروع
يقول الهلالي والهلالـي سلامـه
يبغي الطمـع وهـو وراه طمـوع
لابد عقب الوقت من لايـح الحيـا
من بارقن يوصـي سنـاه لمـوع
لابرقـن إلا فـي حجـا مستهلـه
ولا طرقـي إلا مـن وراه نجـوع
ولا ضحك إلا البكـا مردفـن لـه
ولا شبعـة إلا مقتفيهـا جــوع
ولا يـدن إلا يــد الله فوقـهـا
ولا طايـرات إلا وهـن وقــوع
ألا يا حمامتين فوق نبنوب دوحـة
وراكـن فرقـن والحمـام ربـوع
حمامتيـن جعـل تبلـن بـنـادر
حر قطـوع وجـاري لـه جـوع
وراكن مـا تبكـن عليـا مظنتـي
لو كان ما يجـري لكـن دمـوع
أبكي عليها لين حفيـت نواظـري
ولاني بمن تدبيـر الإلـه جـزوع
حشى ما لاق غير الجازي أم محمد
عليها ثويـب الطيلسـان لمـوع
تنفق كما نفق الوغيـد مـع أمـه
وتحط الهوى في قلب كـل ولـوع




وهذه من قصائد الزناتي خليفه





يقـول الزناتـي والزناتـي خليـفـه
نفـس الفتـى لا بدهـا مـن زوالهـا
حلمت ليا ناش(ن ) من الشرق مزنـه
تمطـر كمـا شـوك البلنـزا خيالهـا
مشت خميس( ن) وامطرت يوم جمعـه
وهلـت علـى قومـي مقـدم فعالهـا
مطرهـا السبايـا والصبايـا وبرقهـا
سيوف( ن) تلظا في يمانـي رجالهـا
ياليتنـي مـا صـرت شيـخ لقابـس
واهني نفس ( ن) ما عليهـا ولا لهـا
واهني نفس(ن) ما كلـت مـال مسلـم
ولا اخلطـت مـال اليتامـا بمالـهـا
نظرت بقومي نظرة (ن) مـا تسرنـي
وجيـه العـذارى طلقوهـا رجالـهـا
كبـار اللحـا لا بـارك الله باللـحـي
صغار اللحـي شبـوا بقومـي فعالهـا
الا وابـلادي زينـة الـمـا مريـفـه
مدعوجـة (ن) بالنيـل تنـدا جبالهـا
مساس عن الرمضا دكاك عن الحصـا
والبق والبرغـوث مـا جـا بجالهـا
واشيب عينـي مـن عريـب تنزلـوا
على مجنـب البطحـا وبنـوا حلالهـا
بنـوا حـلال مـن حلالـي قريـبـه
بنـوا حـلال شـاق عينـي دلالـهـا
تـرى خيلنـا تسعيـن الـف نعدهـا
وتذكـر لنـا خيـل الهلالـي مثالهـا
ولوتجتمـع خيـل الهلالـي وخيلـنـا
ابـا زيـد يركيهـا ويركـي مثالـهـا
خان الصفيـرا يـوم خانـت بابوهـا
ولا بنـت الا فـان ابـوهـا دلالـهـا
تشير بربط القـوم واطـلاق عبدهـم
واثـر عبيـد القـوم حامـي ثقالهـا
اثـر عبيـد القـوم زيـزوم سـربـه
يجـر القنـا جـر السوانـي حبالهـا
يشل الدمي شـل الدلـي يـوم تمتلـي
لاماحهـا الزعـاب ثــم ارتكالـهـا
سيفه تعايـوا عنـه صنـاع دمشـق
ليـا ولا جمجمـة الــراس شالـهـا
لكن عوى شامان في طـوس روسنـا
عوا ذيبة ( ن) تعوي لذيب (ن) عوالها
وانا شاهد(ن) للعبد فـي ربـع هدتـه
ثمانيـن مـن قومـي قلايـع رجالهـا
هـذا لـو ان العبـد قـد هـد مثلهـا
علـي كـان التـرك تيتـم عيالـهـا
اثـره اميـر ولـد امـيـر مـجـرب
ليـا هـد تعطيـه السبايـا كفالـهـا
ترى ما يجي عني مثل حذفـه العصـا
واسـرع مـن دور الرحـا اشتغالهـا
ولولا بخـط الرمـل شيفـت منيتـي
بسيـف ذيـاب قـد لابازيـد ازالهـا
هـو قـدم قومـه وانـا قـدم قومـي
وهـو فهـد القنـاص وانـا غزالهـا
حذرا من اللي كفيـت القـدر وجهـه
لا جا جنوب الخيـل صيـروا شمالهـا
اللـي قلـع حـدري ثمانيـن سابـق
كبيشات ما فـي نجـد ربـي امثالهـا
واللي قلعت حدره مـن الخيـل تسـع
والعاشره بالسيف انـا زلـت حالهـا
اليا اعقـر لـه سابـق جـاه مثلاهـا
واليا اعقر لـي سابـق جـا مثالهـا
ان امهلـت دنـاي وادركـت هقوتـي
لازيل الصفيـرى عـن حيـاة تنالهـا
مهبول يا مهبـول مـن يامـن النسـا
ومن يامن الحرمـه الا اقفـت بفالهـا
ليـا بغـت درب الـردا مـا يكودهـا
تاطـاه لـو انـه حمـاقـا رجالـهـا


وكانهم يعلم انه سيقتل وعندما بدأت المعركة طلب ذياب بن غانم منازلت الملك الزناتي خليفه ونازله الزناتي وتقارعوا بالسيوف وطال القتال ولم يصبر الجيشان واشتيك والبنهاية قُتل الزناتي بيد ذياب بن غانم


ورثت سعده بنت الزناتي ابوها في قصيده تقول فيها




تقول فتاة الحيّ سعدىiوهاضها
لها في ضعون الباكيين عويـل
أيا سايلٍ عن قبر الزناتي خليفه
خذالنعت مني لاتكـون iiهبيـل
تراه العالي الـواردات وفوقـه
من الربط عيّساوي بناه iiطويل
وله يميل الغور من سايل النقـا
بهالواد شـرقٍ والبـراع دليـل
أيا لهف كبدي يالزناتي خليفـه
قد كان لعقاب الجيـاد iiسليـل
قتيل لفتى الهيجاء ذياب بن غانم
جراحه كأفـواه المـزاد تسيـل
ياجارنا مـات الزناتـي خليفـه
لاترحـل ألا ان يريـد رحيـل


وأنشد ذياب بن غانم مفتخرا وقال

‎يقول الفتى ذياب بن غانم
‎والنار من جوّ الضلوع شجونها

‎يامير حسن لولا ذياب بن غانم
‎غدا ضعنكم بحرب الزناتي رهونها

‎ولما قتلت الهيدبي وأنت شاهد
‎وأبو زيد حاضر كيفكم تنكرونها

‎طعنته رميته والقنا يقرع القنا
‎بيض العذارى شاخصاتٍ عيونها

‎وملكتم نجد العذيـّه وراضها
‎وقفت بها بيض العذارى فتونها

‎تكاونت أنا والزناتي خليفه
‎وماتعلم الأرواح منهو زبونها

‎وقد راحت الخضرا وشتت بها النيا
‎ومن طول عمري من عدا الوقت اصونها

‎وجاؤوني بني هلال وعامر
‎وجاؤوني بنات هلال ينبونها

‎وجابوا. القماش الحرير الغالي
‎وجابولي الخضراء يكفنونها

‎حفرت لها بالأرض قامه ومثلها
‎خايف وحوش البر لاينهشونها

‎أن مت بالله ادفنوني بجنبها
‎في وسط روضه موضعٍ يدفنونها

‎عسى نلتقي يوم القيامه جميعا
‎وأقبل الخضرا ومسح عيونها



وخاض بني هلال معارك كثيره ومن ضمنها معركه اصيب فيها الفارس ذياب بن غانم الزعبي وكان بني هلال في هذه المعركه ثلاثين رجل هرب منهم عشره وعشره خافوا ولم يتقدموا وتقدم لهم عشره منهم ابوزيد الهلالي وذياب بن غانم وسرور بن قايد وهو من فرسان بني هلال وكان العدو قد نصب كمين لبني هلال وجهز الف رجل للقاء بني هلال وبعد ان التقوا واشتبكوا تقدم واحد من العدو واسمه ( وهق ) وضرب ذياب ضربه جرحته وافقدته الوعي وعندما صحي انشد قصيده يمتدح فيها فعل جماعته الذين صمدوا ويذكر فعل عدوه وهق الذي اصابه يقول ذياب :

*





يقول الفتى الزعبي ذياب بن غانـم
لي راي(ن) اقسى من حديد المبـارد
ولي حربة (ن) سميتها (سم ساعه)
اعـرض بهـا فالكـون مـا كايـد
حنـا بلينـا فالخـلا بالـف فـارس
وحـنـا ثلاثـيـن ولا زاد زايــد
اهل عشر منا تـدب الخيـل بالقنـا
كز(ن) ليا شـروا هشيـم الوقايـد
ابا زيد من ايمنهم وانا من شمالهـم
كما النار لا شبت ببعـض الحصايـد
واهل عشر منا هملوا روس خيلهـم
واهل عشر منا موكديـن الشهايـد
ينخون خيال (ن) بهم مـا عرفتـه
يقولون يا وهـق يـا ابـا العوايـد
ضربني وهق وانا مشيح(ن) لغيـره
وليا الدرع غاد(ن) فوق متني بجايد
ضربني برمح (ن) تسعة ابواع طوله
وقنطاره اللي من ورى الباع زايـد
سديته بسمـاي وثوبـي ومشلحـي
ايضـا ولا سـده جميـع السدايـد
ولكن طاحت الدهما وانا طحت فوقها
يا طيحة(ن) ما هـي لنـا بالعوايـد
ولكن قامت ا لدهمـا تومـي بعدتـه
وانا كما شن (ن) على القـاع بايـد
وانا رفعت الراس من بعـد سـدره
ليا الخيل يدبها سـرور بـن قايـد
على سرج قبا عنـدل بنـت عنـدل
مرفوعة الذرعان مـن خيـل قايـد
قل عشت يا قرم(ن) ثنا دون ربعـه
بيوم (ن) به المسناد والـرد كايـد
حنا عصافير (ن) وابا زيـد سـدره
نلوذ بـه عـن مرهفـات الحدايـد

الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

حرب الفجار

حرب الفِجَار (43 ق هـ / 580م - 33 ق هـ / 590م) هي إحدى حروب العرب في الجاهلية وحصلت بين قبيلة كنانة (ومنها قريش) وبين قبائل قيس عيلان (ومنهم هوازن وغطفان وسليم وثقيف ومحارب وعدوان وفهم). وسميت بالفجار لما استحل فيه هذان الحيان من المحارم بينهم في الأشهر الحرم ولما قطعوا فيه من الصلات والأرحام بينهم.[2]


الفِجَار الأول

ويعرف باسم فجار الرجل وخبره أن أوس بن الحدثان النصري الهوازني باع من رجل من كنانة ذودا له إلى عام قابل يوافي السوق فوافى سنة بعد سنة ولا يعطيه وأعدم الكناني، فوافى النصري سوق عكاظ بقرد فوقفه في السوق ثم قال: "من يبيعني مثل قردي هذا بمالي على فلان الكناني ؟ " يريد أن يخزي الكناني بذلك، فمر رجل من بني كنانة فضرب القرد بالسيف فقتله آنفا مما فعل النصري، فصرخ النصري في قيس عيلان وصرخ الكناني في بني كنانة فتحاور الناس حتى كاد يكون بينهم قتال ثم كفوا وقالوا: " أفي رَباح -أي قرد- تريقون دماءكم وتقتلون أنفسكم"، فيسر الخطب في أنفسهم وكف بعضهم عن بعض.[3][4]


الفِجَار الثاني

وبعرف باسم فجار الفخر أو فجار الرجل وخبره أن أبو منيعة، وقيل أبو معشر بن مكرز وقيل بدر بن معشر، وكان رجلا من بني غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان عارما منيعا في نفسه قدم سوق عكاظ فمد رجله ثم قال يرتجز: (الرجز)

نحن بنو مدركة بن خندف من يطعنوا في عينه لا تطرف
ومن يكونوا قومه يغطرف كأنهم لجة بحر مسدف
ثم قال: "أنا والله أعز العرب فمن زعم أنه أعز مني فليضرب هذه بالسيف"، فضربها رجل من بني قشير بن كعب بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن فخدش بها خدشا غير كبير فتحاور الناس عند ذلك حتى كاد يكون بينهم قتال، ثم تراجع الناس ورأوا أنه لم يكن كبير قتال ولا جراح فقال ابن أبي أسماء بن الضريبة النصري الهوازني: (الخفيف)

سائلي أم مالك أي قوم معشري في سوالف الأعصار
نحن كنا الملوك من أهل نجد وحماة الذمار عند الذمار
ومنعنا الحجاز من كل حي ومنعنا الفخار يوم الفخار
وضربنا به كنانة ضربا حالفوا بعده سوام العشار
فأجابه أمية بن الأسكر الليثي الكناني قائلا:

أبلغا حمة الضريبة أنا قد قتلنا سراتكم في الفجار
وسقيناكم المنية صرفا وذهبنا بالهب والابكار
وقيل بل ضرب رجل الغفاري الكناني رجل من بني دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر هوازن وقال يرتجز:[5] (الرجز)

نحن بنو دهمان ذو التغطرف بحر بحور زاخر لم ينزف
من يأته من العباد يغرف نحن ضربنا قدم المخندف
إذ مدها في أشهر المعرف فخرا على الناس خلاف الموقف
ضربة حر مثل عط الشعف مجهرة حقا برغم الأنف
بصارم يفري الشؤون مرهف يمر في السنور المضعف


الفِجَار الثالث

ويعرف باسم فجار المرأة وخبره أن امرأة من بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وافت عكاظ وكانت امرأة جميلة طويلة عظيمة فأطاف بها فتيان أهل مكة ينظرون إليها وعليها برقع مسير على وجهها فسألوها أن تبدي عن وجهها فأبت عليهم، وكان النساء إذ ذاك لا يلبسن الأزر، إنما تخرج المرأة فضلا في درع بغير إزار، فلما امتنعت عليهم وقد رأوا خلقها وشمائلها لزموها، فقعدت تشتري بعض حاجتها فجاء فتى من أولئك الفتيان رجل يقال له أبو الغشم بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم القرشي الكناني وهي قاعدة فحل أسفل درعها بشوكة إلى ظهرها، فلما فرغت من حاجتها قامت فإذا هي عريانة، فضحك الفتية منها وقالوا: " منعتنا وجهك فقد نظرنا إلى سفلتك "، فكشفت المراة عن وجهها فاذ وجه وضيء فكانوا أشد إغراما عما كانوا بها، وصاحت: " يا لقيس انظروا ما فعل بي "، فاجتمع الناس واجتمع إليها عشيرتها ودنا بعضهم من بعض، وحملوا السلاح وحملته كنانة ثم ترادوا بعد شيء من مناوشة وقتال ووقعت بينهم دماء فتوسط حرب بن أمية سيد كنانة ودفع ديات القتلى وأرضى بني عامر بن صعصعة.[6].[5]

الفِجَار الرابع

ويعرف باسم فجار البراض أو فجار اللطيمة ولهذا قال الشاعر أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:[7]

والفتى من تعرقته الليالي والفيافى كالحية النضناض
كل يوم له بصرف الليالي فتكة مثل فتكة البراض
وقالت العرب في الأمثال: أفتك من البراض لفتكه، وكان البراض بن قيس بن رافع الضمري الكناني فتاكا من فتاك العرب في الجاهلية وخليعا خلعه وطرده قومه بنو ضمرة من كنانة، فحالف بني سهم من قريش، فعدا على رجل من قبيلة هذيل فقتله، فقام الهذليون إلى بني سهم يطلبون دم صاحبهم، فقالت بنو سهم: "قد خلعناه وتبرأنا من جريرته"، فقالت هذيل: "من يعرف هذا؟"، فقال العاص بن وائل: "أنا خلعته كما يخلع الكلب"، فأسكت الهذليون، ولم يروا وجه طلب، فأتى البراض إلى حرب بن أمية العبشمي القرشي وكان سيد كنانة يطلب أن يحالفه، فقال حرب: "إني قد رايت حلفاءك خلعوك وكرهوك"، فقال البراض: "وأنت إن رأيت مني مثل ما راوا فأنت بالخيار إن شئت أقمت على حلفك وإن شئت تبرأت مني"، قال حرب: "ما بهذا بأس"، فحالفه حرب بن أمية فعدا البراض على رجل من قبيلة خزاعة فقتله وهرب في البلاد فطلب الخزاعيون دمه فلم يقدروا عليه.

فأقام البراض باليمن سنة ثم دنا من مكة فإذا الهذليون يطلبونه وإذا الخزاعيون يطلبونه وقد خلع، فقال: "ما وجه خير من النعمان بن المنذر، نلحق به"، فانطلق حتى قدم الحيرة فقدم على وفود العرب حين وفدوا على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، فأقام يطلب الإذن معهم فلم يصل إلى النعمان حتى طال عليه المقام وجفي، وحان بعث النعمان بلطيمة كان يبعث بها إلى سوق عكاظ، فخرج النعمان فجلس للناس بفنائه بالحيرة وعنده وفود العرب وكانت عير النعمان ولطائمه إذا دخلت إلى تهامة لا يهيجها أحد حتى عدا النعمان بن المنذر على أخ بلعاء بن قيس الليثي الكناني وكان سيد بني بكر من كنانة فقتله، فجعل بلعاء بن قيس يتعرض للطائم التي للنعمان بتهامة فينهبها، قد فعل ذلك بها مرتين، فخاف النعمان على لطيمته، واللطيمة هي العير التي تحمل المتاع للتجارة، فقال النعمان يومئذ: "من يجيز هذه العير؟" فوثب البراض وعليه بردة له صغيرة ومعه سيف له قد أكل غمده من حدة فقال: "أنا أجيزها لك"، [8] فقال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب العامري الهوازني وكان سيدا من سادات قيس عيلان يقال له الرحال لرحلاته إلى الملوك: "أكلب خليع يجيزها لك؟، أبيتَ اللعن، أنا أجيرها لك على أهل الشّيح والقَيْصوم من أهل نجد وتهامة"، فقال البراض: "أعلى بني كنانة تُجيرها يا عُروة؟"، فقال: "وعلى الناسِ كلِّهم". فدفع النعمان اللطيمة إلى عروة الرحال وخرج الرحال بالعير، وخرج البراض في أثر عروة الرحال حتى إذا كان في بعض الطريق أدركه البراض فتقدم أمام عيره وأخرح الأزلام يستقسم بها، فمر به الرحال فقال له: "ما تصنع؟" فقال: "إني أستخير في قتلك"، فضحك الرحال وهو لا يَخشى منه شيئاً، لكونه بين ظَهراني قومه من غطفان وهم من قيس عيلان دون الجريب إلى جانب فدك بأرض يقال لها أوارة قريب من الوادي الذي يقال له تيمن فأنزل عروة اللطيمة وسرح الظهر، فدخل البراض على عروة نصف النهار وهو في قبة من أدم فناشده عُروة قائلا: "كانت مني زلّة، وكانت الفعلة مني ضلّة". فضربه البراض بالسيف حتى برد، وخَرج يرتجز قائلا:[8][9]

قد كانت الفَعلة مني ضَلّة هلا على غيري جعلتَ الزلّة
فسوف أَعْلو بالحُسام القُلّة
وقال البراض في ذلك أيضا:

وداهية يهال الناس منها شددت لها بني بكر ضلوعي
هتكت بها بيوت بني كلاب وأرضعت الموالي بالضروع
جمعت لها يدي بنصل سيف أفل فخر كالجذع الصريع
ويعني ببني بكر قومه بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأما بنو كلاب قوم عروة فهم بنو كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان.

وقال البراض أيضا:

نقمت على المرء الكلابي فخره وكنت قديما لا أقر فخارا
علوت بحد السيف مفرق رأسه فأسمع أهل الواديين خوارا
ثم كتب البراض إلى أهل مكة وهم بعكاظ قائلا:

لا شك يجني على المولى فيحملها إذا بحي أبت يحملها الجاني
" أما بعد ذلكم فإني قتلت عروة بن عتبة الرحال بأواره يوم السبت، حين وضح الهلال من شهر ذي الحجة فررت، ومن أجرى ما حضر فقد أجرى ما عليه، إن غدا حيث يثور الريح ينكثني الأمر لك القبيح".

ثم استاق البراض اللطيمة حتى انتهى إلى خيبر، فتبعه إلى خيبر رجلان من قيس عيلان هما المُساور بن مالك الغطفاني وأسد بن خيثم الغنوي، [10] فلقياه بخيبر فلما رأهما نسبهما فانتسبا له إلى سعد بن قيس عيلان فاعتزى هو إلى فزارة فقالا له: " هل أحسست رجلا يقال له البراض من بني بكر؟"، فقال البراض: " سألتما عن لص عاد خليع لبس أحد من أهل خيبر يدخله داره ولكن أقيما ههنا وتلطفا له عسى تظفرا به"، فقالا: "نعم"، ثم مكث ذلك اليوم وجاءهما فقال: "قد دللت عليه فأيكما أجرأ عليه، وأمضى مَقْدماً، وأحدّ سيفاً؟" قال أحدهما: "أنا"، فقال البراض:" انطلق"، وقال للآخر: "إياك أن تريم المكان"، ثم أخرجه حتى أدخله خربة من خربات يهود ثم قال البراض: "هو في هذه الخَرِبة وإليها يَأْوي، فأَنظرني حتى أنظرُ أثمَّ هو أم لا". فوقف له ودخل البرّاض، ثم خرج إليه البراض وقال: "هو نائم في البَيت الأقصى خلفَ هذا الجدار عن يمينك إذا دخلت، فهل عندك سيفٌ فيه صرامة؟"، فقال الغنوي: "نعم"، فقال البراض: " يا أخا غنى! هاتِ سَيفك أنظرُ إليه أصارم هو؟"، فأخذ بقائم السيف فسله والغمد في يد الغنوى فرفع البراض السيف فضربه به حتى قتله، ثم رجع إلى صاحبه فقال: ما رأيت أجبن ولا أكهم من صاحبك، تركته قائماً في الباب الذي فيه الرجل، والرجلُ نائم لا يتقدم إليه ولا يتأخَر عنه، فانطلق معي أنت"، فقال الغطفاني وقيل قال الغنوي:"يا لَهْفاه، انطلق بي حيث أحببت"، فانطلق الغنويُّ والبراض خلفه، حتى إذا جاوز الغنويّ بابَ الخَرِبة أخذ البرَّاض السيفَ من خلف الباب، ثم ضرَبه حتى قتله وأخذ سِلاحَيهما وراحلتيهما، وخرج رجل من اليهود يريد تلك الخربة لحاجته فوجد الرجلين مقتولين، فخرج فزعا مذعورا إلى قومه، فخرجوا فنظروا إلى القتيلين وطلبوا البراض، ونذر بهم فهرب من ساعته وفرق من يهود خيبر أن يظفروا به فخرج من خيبر، [11] ثم أرسل إلى بشر بن أبي خازم الأسدي من بني أسد بن خزيمة فأخبره بقتل الرحال والغطفاني والغنوي واستكتمه وأمره أن ينهي بهذا الخبر إلى عبد الله بن جدعان التيمي القرشي الكناني وهشام بن المغيرة المخزومي القرشي الكناني وحرب بن أمية العبشمي القرشي الكناني ونوفل بن معاوية الدؤلي الكناني وبلعاء بن قيس الليثي الكناني وكانوا سادات كنانة وأشرافها، وقال البراضُ لبشر الأسدي أن قيس عيلان لن ترضى أن تقتل بسيدها غير سيد مثله.

يوم نخلة
خرج بشر بن أبي خازم الأسدي من عند البراض حتى قدم سوق عكاظ فوجد الناس بعكاظ قد حضروا السوق والناس محرمون للحج، فذكر الحديث للنفر الذين أمره بهم البراض، فقالت قريش فيما بينهم: انطلقوا بنا إلى أبي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب فنخبره بعض الخبر ونكتم بعضا ونقول: أن بين أهل نجد وأهل تهامة حدث ولم تأتنا لذلك جلية أمر، فاحجز بين الناس وأقم لهم السوق، ولا ينصرفن ولم تقم السوق وقد ضربوا آباط الإبل من كل موضع، ونقول: "كن على قومك ونحن على قومنا"، فخرجوا حتى جاؤوا أبا براء فذكروا له ذلك، فأجابهم إلى ما أحبوا، وقال: "أنا أكفيكم ذلك وأقيم السوق"، ورجع القوم فقال بعضهم لبعض: "ما هذا برأي أن نقيم ههنا ونخشى أن تُخبر قيس عيلان فيناهضونا ههنا على غير عدة منا وهم مستعدون فيكثرونا في هذا الموسم فيصيبوا منا، الحقوا بحرمكم"، فخرجت قريش مولية إلى الحرم منكشفين، وبلغ قيسا الخبر آخر ذلك اليوم،

فقال لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك العامري الهوازني يحض على الطلب بدم عروة الرحال:

فأبلغ إن عرضت بني نمير وأخوال القتيل بني هلال
بأن الوافد الرحال أضحى مقيما عند تيمن ذي الظلال
وقال أبو براء العامري الهوازني: "ما كنا من قريش إلا في خدعة"، فخرجوا في آثارهم وقريش على حاميتها وهي تبادر إلى حرمها حتى دخلوا الحرم من الليل ونزعت قيس عنهم ولهم عدد كثير، ونادى الأدرم بن شعيب العامري الهوازني بأعلى صوته: "إن ميعاد ما بيننا وبينكم هذه الليالي من قابل فإنا لا نأتلي في جمع"، فقال حرب بن أمية القرشي الكناني لابنه أبي سفيان: "قل لهم إنّ موعدكم قابِل في هذا اليوم".[12] فاستشرى الخبر وتأهبت كنانة وتأهبت قيس عيلان عاما يجمعون لهذه الحرب ويعدون لها.[13]

وقال خداش بن زهير بن ربيعة العامري الهوازني: البسيط

يا شدَةً ما شدَدْنا غَيرَ كاذبةٍ على سَخِينةً لولا البيت والحَرمُ
لما رأَوْا خيلَنا تُزْجَى أوائلُها اسادُ غِيل حَمى أشبالِها الأجَم
واستُقبلوا بضِراب لا كِفاءَ له يُبْدِي من العُزل الأكفال ما كَتموا
بأن الوافد الرحال أضحى مقيما عند تيمن ذي الظلال
ولَوا شلالاً وعُظمُ الخيل لاحقة كما تَخُب إلى أوطانها النَّعَم
ولَت بهم كل مِحْضارٍ مُلَمْلمةٌ كأنَّها لِقْوة يَحْتثها ضَرَم
ولم تقم تلك السنة سوق عكاظ، وكان يوم نخلة كفافا لا على هؤلاء ولا على هؤلاء.

يوم شمطة
توافوا على قرن الحول في الليالي التي واعدت فيها قيس عيلان كنانة من العام المقبل، فسبقت قيس عيلان كنانة بيومين فنزلوا شمطة من عكاظ متساندين على كل قبيلة منهم سيدها، وفي هذا اليوم اجتمعت كنانة وقيس عيلان كلهم.

وأعطى عبد الله بن جدعان خاصة من ماله مئة رجل من كنانة أسلحة تامة وأداة،[14] وجعلت كنانة لكل قبيلة رأسا يجمع أمرهم، فعلى بني عبد مناف حرب بن أمية ومعه أخواه سفيان وأبو سفيان وهو عنبسة ابنا أمية وعلى بني هاشم الزبير بن عبد المطلب ومعه النبي صلى الله عليه وسلم والعباس بن عبد المطلب، ومعهم بنو المطلب عليهم عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، وعلى بني نوفل بن عبد مناف مطعم بن عدي بن نوفل، وعلى بني أسد بن عبد العزى خويلد بن أسد وعثمان بن الحويرث بن أسد، وعلى بني زهرة مخرمة بن نوفل بن أهيب، وعلى بني مخزوم هشام بن المغيرة، وعلى بني جمح أمية بن خلف بن وهب ومعمر بن حبيب، وعلى بني عدي زيد بن عمرو بن نفيل، وعلي بني عامر بن لؤي عمرو بن عبد شمس أبو سهيل بن عمرو، وعلى بني محارب بن فهر ضرار بن الخطاب بن مرداس، وعلى بني الحارث بن فهر عبد الله ابن الجراح أبو أبي عبيدة بن الجراح، وعلى بني سهم العاص بن وائل، وعلى بني عبد الدار عامر بن عكرمة بن هاشم، وعلى بني تيم عبد الله بن جدعان، وعلى الأحابيش وهم الحارث بن عبد مناة وعضل والقارة والديش والمصطلق من خزاعة نحلفهم بالحارث بن عبد مناة الحليس بن يزيد الحارثي وسفيان بن عويف فهما قائداهم، وعلى بني بكر بن عبد مناة بلعاء بن قيس بن عبد الله الليثي، وعلى بني فراس بن غنم عمر بن قيس جذل الطعان، وعلى بني أسد بن خزيمة بشر بن أبي خازم، وأمر الناس إلى حرب بن أمية، وقيل خرجوا متساندين ليس عليهم أمير يكفهم وقيل كانت إمرتهم إلى ابن جدعان لقول زوجة النبي محمد عائشة بنت أبي بكر: "كان حرب الفجار ولم يك يوم في العرب أذكر منها مكث الناس سنة يجمعون ويتعبون للقتال فخرجت قريش من دار عبد الله بن جدعان ورأس الناس يومئذ عبد الله بن جدعان قادهم وسلح الرجال وقسم الأموال"، ولم يحضر من بني تميم أحد إلا من كان محالفا لقريش في مكة كآل زرارة وآل أبي إهاب وأبو يعلى أمية بن أبي عبيدة بن همام الحنظلي ولم يحضر من هذيل أحد.

وتجمعت قيس عيلان وجمعوا الجموع وقادوا الخيل فكانت خيلهم كثيرة يومئذ، واستعانت بثقيف وتجمعت هوازن وسليم جميعا وثقيف وجسر بن محارب وغيرهم ممن لحق بهم من قيس عيلان متساندين على كل قبيلة منهم سيدها، فكان أبو أسماء بن الضريبة النصري وعطية بن عفيف النصري علي بني نصر والخيسق الجشمي على بني جشم وبني سعد بن بكر، وكان وهب بن معتب بن مالك الثقفي وأخوه مسعود على ثقيف؛ وكان على بني عامر بن ربيعة محارب، وعلى الأبناء أبناء صعصعة سلمة بن سعلاء أحد بني البكاء ومعه خالد بن هوذة، وعلى بني هلال بن عامر بن صعصعة ربيعة بن أبي ظبيان بن ربيعة الهلالي، وكان في بني عامر أبو براء وكان في جشم دريد بن الصمة، وكان في بني نصر سبيع بن ربيعة وفي سليم عباس بن حي الأصم الرعلي، فاختلفوا في الرئاسة، فقالت بنو عامر: نرأس أبا براء عامر بن مالك بن جعفر، وقالت بنو نصر بن معاوية وسعد بن بكر وثقيف: نرأس سبيع بن ربيعة بن معاوية النصري، وقالت بنو جشم: بل نرأس دريد بن الصمة؛ حتى كادوا يقتتلون بينهم فمشى بينهم أبو براء فقال: "اجعلوا من ذلك من شئتم فأنا أول من أطاعه وأجاب"، فكف القوم ورضوا وجعلوا على بني عامر أبا براء وعلى بني نصر وسعد بن بكر وثقيف مسعود بن معتب الثقفي وهو رأس ثقيف وأمره إلى سبيع بن ربيعة، وعلى عطفان عوف بن حارثة المري، وعلى بني سليم عباس بن حي الرعلي أبا أنس، وعلى فهم وعدوان كدام بن عمير الجديلي.

فلما نزلوا عكاظ وأقاموا اليوم الثاني قال سبيع بن ربيعة النصري الهوازني: "يا معشر قيس ما كان مسيركم إلى قريش بشيء"، قالوا: "ولم؟" قال: لا ترون لهم جمعا العام"، قال أبو براء: " فما تكره من ذلك؟ تقوم سوقنا وننصرف والغلبة لنا"، فقال له رجل من بني أسد بن خزيمة يسمع كلامه: " بلى والله لتوافين كنانة ولا تتخلف ولا ترى غير ذلك"، فتقاولا حتى تراهنا مائة بعير لمائة بعير فتواثقا على ذلك، فلم يتفرقوا من مجلسهم حتى أوفى موف فقال: "قد طلع من مكة الدهم وجاءت الكتائب يتلو بعضها بعضا"، فقام الأسدي مسرورا وهو يرتجز: الرجز [15]

يا قوم قد وافى عكاظ الموسم تسعون ألفا كلهم ملأم
فقال مسعود بن معتب الثقفي لقيس حين عرف أن قريشا قد جاءت: "دعوني أنظر لكم في القوم فإن يكن في القوم عبد الله بن جدعان فلم يتخلف عنكم من كنانة أحد"، فلم يرعه إلا بعبد الله بن جدعان على جمل معتجرا ببردة حبرة فرجع مسعود بن معتب إلى قيس فقال: "أتتكم قريش بأجمعها"، وتهيأ الناس وصفوا صفوفهم، وقام حرب بن أمية القرشي يسوي صفوف كنانة ومعه إخوته سفيان وأبو سفيان وهو عنبة بن أمية وأبو العاص بن أمية ويومئذ سموا العنابس وقد لبس حرب بن أمية درعين وقيد نفسه ولبس سفيان درعين وقيد نفسه ولبس أبو سفيان درعين وقيد نفسه ولبس أبو العاص درعين وقيد نفسه، وكان معهم العباس بن عبد المطلب في العنابس يومئذ قيد نفسهن معهم أيضا، وقالوا: " لن نبرح حتى نموت أو نظهر عليهم"، وصفت قيس صفوفها وكان الذي يسوي صفوفها أبو براء عامر بن مالك الكلابي العامري الهوازني وأخذ راية كنانة حرب بن أمية وأخذ راية قيس عيلان أبو براء، وخرج الحليس بن يزيد الحارثي الكناني وهو يومئذ سيد الأحابيش فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه أبو حرب بن عقيل بن خويلد العقيلي العامري الهوازني فتطاعنا ساعة حتى كسر العقيلي عضد الحليس بن يزيد ثم تحاجزا ونهض الناس بعضهم إلى بعض فاقتتلوا قتالا شديدا وأبو العاص يرتجز ويقول: الرجز

هذا أوان الضرب في الأدبار بكل عضب صارم مذكار
فكانت قيس عيلان من وراء المسيل وقريش من دون المسيل وبنو كنانة في بطن الوادي وقال لهم حرب بن أمية: " إن أبيحت قريش فلا تبرحوا مكانكم"، وكان على إحدى المجنبتين أبن جدعان وعلى الأخرى كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وقيل هشام بن المغيرة وفي القلب حرب بن أمية، فكانت الدبرة أول النهار لكنانة على قيس عيلان حتى إذا كان آخر النهار صبرت قيس فاستحر القتل في قريش، وانهزمت من قريش بنو زهرة وبنو عدي وقتل معمر بن حبيب ورجال من بني عامر بن لؤي فانهزمت طائفة من قريش وثبت حرب بن أمية وإخواته وسائر قبائل قريش، فلما رأى ذلك الذين في الوادي من بني الحارث الأحابيش من كنانة مالوا إلى قريش وتركوا مكانهم، فلما فعلوا ذلك استحر القتل بهم وصبروا، فقتل تحت رايتهم ثمانون رجلا، فلما رأت ذلك بنو بكر من كنانة قال بلعاء بن قيس استبقاء لهم: "ألحقو برخم "، فاعتزل بهم إلى جبل رخم، وقال: "دعوهم فوددت أنه لم يفلت منه أحد"، وانهزمت كنانة ولم يقتل من قريش أحد يذكر، وزالت قريش آخر النهار بانزيال بني بكر. فكان حكيم بن حزام الأسدي القرشي يقول: " شهدت عكاظ فبنو بكر كانوا أشد علينا من قيس انكشفوا علينا وتركونا "، وكان سعيد بن يربوع المخزومي القرشي يقول: " رأيتنا يومئذ وما أتينا أول النهار إلا من بني بكر انكشفو عنا وتركونا".[16]

وقال خداش بن زهير بن ربيعة العامري الهوازني:

فأبلغ إن عرضت بنا هشاما وعبد الله أبلغ والوليدا
أولئك إن يكن في الناس خير فإن لديهم حسبا وجودا
هم خير المعاشر من قريش وأوراها إذا قدحت زنودا
بأنا يوم شمطة قد أقمنا عمود المجد إن له عمودا
جلبنا الخيل ساهمة إليهم عوابس يدرعن النقع قودا
فبتنا نعقد السيما وباتوا وقلنا صبحوا الإنس الحديدا
فجاؤوا عارضا بردا وجئنا كما أضرمت في الغاب الوقودا
ونادوا يا لعمرو لا تفروا فقلنا لا فرار ولا صدودا
فعاركنا الكماة وعاركونا عراك النمر عاركت الأسودا
فولوا نضرب الهامات منهم بما انتهكوا المحارم والحدودا
تركنا بطن شمطة من علاء كأن خلالها معزا شريدا
ولم أر مثلهم هزموا وفلوا ولا كذيادنا عنقا مذودا
يوم العبلاء
وهو يوم عكاظ الأول، وفيه تجمع الحيان فالتقوا على قرن الحول من اليوم الأول من يوم عكاظ والتقوا بالعَبْلاءِ وهو أعبل صخرة بيضاء إلى جنب عكاظ، ورؤساؤهم هم الذين كانوا عليهم يوم شمطة بأعيانهم، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت كنانة، وقتل العوام بن خويلد الأسدي القرشي الكناني، قتله العاقر مرة بن معتب بن مالك الثقفي، فقال في ذلك رجل من ثقيف:[17]

منَا الذي ترك العوَّام مُنْجدلاً تَنتابه الطيرُ لحماً بين أَحجارِ
وقال خداش بن زهير العامري الهوازني:[18][19]

ألم يبلغك بالعبلاء أنا ضربنا خندفا حتى استقادوا
نبني بالمنازل عز قيس وودوا لو تسيخ بنا البلاد
وقال أيضا:[20]

ألم يبلِغكم أنا جَدَعْنا لَدى العَبْلاءِ خِنْدِف بالقيادِ
ضَربناهم ببطن عُكاظَ حتى تولوا ظالعين من النجادِ
وقال أيضا:

ألم يبلغك ما لاقت قريش وحي بني كنانة إذ أثيروا
دهمناهم بأرعن مكفهر فظل لنا بعقوتهم زئير
نقوم مارن الخطي فيهم يجيء على أسنتنا الجزير
يوم الشرب
وهو أعظم أيام حرب الفجار وقيل أنه أعظم أيام العرب في الجاهلية، وهو رابع أيام حرب الفجار، ويعرف باسم يوم عكاظ الثاني، وفيه احتشد وحضر جميع كنانة وقيس عيلان فالتقوا في شرب من عكاظ قرب مكة على رأس الحول في اليوم الثاني من يومي عكاظ وعليهم رؤساؤهم الذين كانوا قبل، فحمل يومئذ عبد الله بن جدعان التيمي القرشي ألف رجل من بني كنانة على ألف بعير، ويُروى أن زهير بن ربيعة العامري الهوازني والد خداش بن زهير الشاعر قد قتل في حرب الفجار.[21]

وفي هذا اليوم قيد حرب بن أمية القرشي الكناني وسفيان بن أمية القرشي الكناني وأبو سفيان بن أمية القرشي الكناني فسمي هؤلاء الثلاثة يومئذ العنابس وهي الأسود وأحدها عنبسة وقيد العباس بن عبد المطلب القرشي الكناني عم النبي محمد نفسه معهم وقالوا: " لا نبرح حتى نموت مكاننا"، وعلى أبي سفيان يومئذ درعان قد ظاهر بينهما وقيل أن أبا سفيان بن أمية هو الوحيد الذي قيد نفسه، وخرج الحليس بن علقمة الحارثي الكناني وهو رئيس الأحابيش بني الحارث من كنانة يومئذ فدعا إلى المبارزة فبرز إليه الحدثان بن سعد النصري الهوازني فطعنه الحدثان فدق عضده وتحاجزا ولم يقتل أحدهما الآخر. فاقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا واستحر القتل بينهم وثبت الفريقان ثم همت بنو بكر بن عبد مناة من كنانة بالهرب وكانت بنو مخزوم من قريش تلي بني بكر من خلفهم فحافظت بنو مخزوم حفاظا شديدا وكان أشدهم يومئذ بنو المغيرة بن عبد الله وأشد بني المغيرة: أبو عبد مناف هاشم بن المغيرة المخزومي القرشي وذو الرمحين أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي القرشي إذا صابروا وأبلوا بلاء حسنا فقال عبد الله بن الزبعري السهمي القرشي يمدح بنى المغيرة من بني مخزوم:

ألا للهّ قومٌ ولدتْ أُختُ بني سَهْم هشامٌ وأبو عَبد مَنافٍ مِدْره الخَصْم
وذو الرُّمحين أشبال مِن القُوَّة والحَزم فهذان يذُودان وذا مِنْ كَثَب يَرْم
أسود تزدهي الأقران مناعون للهضم وهم يوم عكاظ منعوا الناس من الهزم
وهم من ولدوا أشبوا بسر الجسم الضخم فإن أحلف وبيت الله لا أحلف على إثم
لَمَا من إخوة بين قصور الشام والردم بأزكى من بني ريطة أو أوزن في الحلم
فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة من كنانة صنيع بني مخزوم تذامروا فعطف بلعاء بن قيس الليثي الكناني وعطفت معه بنو بكر وهو يقول :

إن عكاظ مأوانا فخلوه وذا المجاز بعد لن تحلوه
واقتتل القوم قتالا شديدا وحملت قريش وكنانة على قيس عيلان من كل وجه فانهزمت قيس عيلان كلها، وقد صبر أول الأمر من قيس عيلان بنو نصر ثم هربوا فثبت منهم بنو دهمان بن نصر فلم يغنوا شيئا فانهزموا وكان عليهم سبيع بن أبي ربيعة الدهماني النصري الهوازني أحد بني دهمان فعقل نفسه ونادى: " يا آل هوازن يا آل هوازن يا آل نصر" فلم يعرج ويعطف عليه أحد وأجفلوا منهزمين، فكر بنو أمية بن عبد شمس من قريش على بني دهمان خاصة فحاول الخنيسق الجشمس وقشعة الجشمي نصرة بني دهمان وقاتلوا فلم يغنوا شيئا. وانهزمت قيس، وقتل من أشرافهم عباس الرعلي في بشر من بني سليم، وانهزمت ثقيف وبنو عامر، وقتل يومئذ من بني عامر عشرة، فلما رأى ذلك شيخ من بني نصر صاح: " يا معشر بني كنانة! أسرفتم في القتل"، فأجابه عبد الله بن جدعان: " إنا معشر سرف "، ولما رأى أشراف قيس ما تصنع قبائل قيس من الفرار عقل رجال منهم أنفسهم منهم يبيع بن ربيعة وغيره ثم أضطجع وقال:" يا معشر بني نصر! قاتلوا عني أو ذروا"، فعطف عليه بنو نصر وبنو جشم وبنو سعد بن بكر وفهم، وهربت قبائل قيس غيرهم، فقاتلوا حتى انتصف النهار ثم انهزموا.

و قال حرب بن أمية القرشي الكناني لابن أبي براء العامري الهوازني:

متى ما تزرنا تجد حربنا مدربة نارها تسطع
وقوما عليهم من السابغات جياد قوانسها تلمع
مصابيح مثل نجوم السماء وما رفع الله لا يوضع
وقال ضرار بن الخطاب الفهري القرشي:

ألم تسأل الناس عن شأننا ولم يثبت الأمر كالخابر
غداة عكاظ إذا استكملت هوازن في كفها الحاضر
وجاءت سليم تهز القنا على كل سلهبة ضامر
وجئنا إليهم على المضمرات بأرعن ذي لجب زاخر
فلما التقينا أذقناهم طعانا بسمر القنا العائر
ففرت سليم ولم يصبروا وطارت شعاعا بنو عامر
وفرت ثقيف إلى لاتها بمنقلب الخائب الخاسر
وقاتلت العنس شطر النها ر ثم تولت مع الصاد
على أن دهمانها حافظت أخيرا لدى دارة الدائر
وقال جذل الطعان علقمة بن فراس المالكي الكناني:

جاءت هوازنُ أرسالاً وإخوتها بنو سلَيم فهابوا المَوتَ وانصرفوا
فاستُقبلوا بضرِابٍ فَضَّ جَمْعَهم مثلَ الحريق فما عاجُوا ولا عَطَفوا
وقال أمية بن الأسكر الليثي الكناني:

ألا سائل هوازن يوم لاقوا فوارس من كنانة معلمينا
لدى شربٍ وقد جاشوا وجشنا فأوعب في النفير بنوا أبينا
وقالت عاتكة بنت عبد المطلب الهاشمية القرشية الكنانية:[22]

سائل بنا في قومنا وليكف من شر سماعه
قيسا وما جمعوا لنا في مجمع باق شناعه
فيه السنور والقنا والكبش ملتمع قناعه
بعكاظ يعشي الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه
فيه قتلنا مالكا قسرا وأسلمه رعاعه
ومجندلا غادرنه بالقاع تنهشه ضباعه
مدار قيس:
كان مسعود بن معتب بن مالك الثقفي سيد هوازن وأحد سادات قيس عيلان قد ضرب على امرأته سبيعة بنت عبد شمس القرشية الكنانية خباء وكان يجمع الكبول والجوامع فرآها تبكي حين تدانى الناس فقال لها: " ما يبكيك"، فقالت: "لما يصاب غدا من قومي"، فقال لها: " من دخل خباءك فهو آمن"، فجعلت توصل فيه القطعة بعد القطعة والخرقة والشيء ليتسع فقال لها: " لا يتجاوزني خباؤك فإني لا أمضي لك إلا من أحاط به الخباء، لا يبقى طنب من أطناب هذا البيت إلا ربطت به رجلا من بني كنانة وأرجو والله أن أملأ منها قومك"، فأحفظها فقالت: "أنت وذاك أما والله لئن رأيتهم لتعرفن غير ذلك وإني لأظن أنك ستود أن لو زدت في توسعته"، فلما صف القوم بعضهم لبعض والتقت كنانة وقيس عيلان خرجت سبيعة فنادت قومها بأعلى صوتها قائلة: " إن وهبا يأتلي ويحلف ألا يبقى طنب من أطناب هذا البيت إلا ربط به رجلا من كنانة فالجد الجد"، فلما انهزمت قيس عيلان خرج مسعود بن معتب الثقفي لا يعرج على شيء حتى أتى سبيعة بنت عبد شمس القرشية الكنانية زوجته فجعل أنفه بين ثدييها وقال: " أنا بالله وبك"، فقالت: " كلا زعمت أنك ستملأ بيتي من أسرى قومي اجلس فأنت آمن".[23] فدخل من استطاع من قيس عيلان خباءها مستجيرين بها فأجار لها حرب بن أمية القرشي الكناني سيد كنانة جيرانها وقال لها: " يا عمة من تمسك بأطناب خبائك أو دار حوله فهو آمن"، فنادت سبيعة: "من تعلق بطنب من أطناب بيتي فهو آمن من ذمتي"، فاستدارت قيس عيلان بخبائها حتى صاروا حلقة وكثروا جدا فلم يبق أحد لا نجاة عنده إلا دار بخبائها فقيل لذلك الموضع مدار قيس وكان يضرب في الجاهلية بمدار قيس المثل ويعير قيس عيلان بمدارهم يومئذ بخباء سبيعة بنت عبد شمس القرشية الكنانية فتغضب قيس عيلان من ذلك. وأخرج مسعود بن معتب أبناءه: عروة ولوحة ونويرة والأسود، فأمرتهم أمهم سبيعة أن يدورون وهم غلمان في قيس عيلان يأخذون بأيديهم إلى خباء أمهم الكنانية ليجيروهم فيسودوا بذلك.

وقال خداش بن زهير بن ربيعة العامري الهوازني وقيل عوف بن الأحوص بن جعفر العامري الهوازني:[24]

فلما دنونا للقباب وأهلها أتيح لنا ذئب مع الليل فاجر
أتيحت لنا بكر وتحت لوائها كتائب يخشاها العزيز المكاثر
وجاءت قريش حافلين بجمعهم وكان لهم في أول الدهر ناصر
وكانت قريش لو ظهرنا عليهم شفاء لما في الصدر والبغض ظاهر
حبت دونهم بكر فلم نستطعهم كأنهم بالمشرفية سامر
وما برحت بكر تثوب وتدعي ويلحق منهم أولون وآخر
لدن غدوة حتى أتى الليل وانجلت عماية يوم شره متظاهر
وما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت هوازن وارفضت سليم وعامر
وكانت قريش يفلق الصخر حدها إذا أوهن الناس الجدود العواثر
يوم الحُرَيرَة عدل
ثم كان اليوم الخامس وهو يوم الحُرَيرَة وهي حرة قرب نخلة إلى جانب عكاظ مما يلي مهب جنوبها ثم تقبل تريد مكة من مهب صباها حتى تنقطع دوين قرن، وكان فيه الرؤساء الذين كانوا عليهم إلا أبو مساحق بلعاء بن قيس اليعمري الليثي الكناني سيد بني بكر من كنانة فإنه قد مات قبل يوم الحُرَيرَة فصار على بني بكر أخوه جثامة بن قيس الليثي الكناني، فاقتتلوا فانهزمت كنانة وقتل يومئذ أبو سفيان بن أمية القرشي الكناني، وممن أبلى بلاء حسنا من قيس عيلان في يوم الحُرَيرَة: عثمان بن أسيد بن مالك العامري الهوازني وابن عمه ورقاء بن الحارث بن مالك العامري الهوازني.[25][26]

وقال خداش بن زهير بن ربيعة العامري الهوازني:

إنّي مِن النَّفر المُحْمَر أَعْينهمِ أهل السوام وأهل الصَخر واللُّوبِ
الطاعِنين نُحورَ الخَيل مُقْبِلةَ بكل سَمْراء لم تُعْلب ومَعْلوب
وقد بلوتُم فأبلوكم بلاءَهم يوم الحُريرة ضرباً غير مَكذوب
إن توعدوني فإني لابن عمكم وقد أصابوكم منه بشؤبوب
وإن ورقاء قد أردى أبا كنف وابني إياس وعمرا وابن أيوب
وإن عثمان قد أردى ثمانية منكم وأنتم على خبر وتجريب
لاقتْهمُ منهمُ اسادُ مَلْحمة ليسوا بزارعة عُوج العَراقيب
فالآن إن تُقْبلوا نأخذ نحورَكم وإن تباهوا فإني غيرُ مَغلوب
وقال الحارث بن كَلَدة الثَّقفيّ:[27]

تركتُ الفارسَ البَذّأخ منهم تَمُجّ عروقُه عَلقاً غبيطا
دعستُ لبانَه بالرُّمح حتى سمعتُ لِمَتْنه فيه أطيطا
لقد أرديتَ قومَك يا ابنَ صَخْر وقد جَشًمتهم أمراً سَلِيطاً
وكم أسلمتُ منكم من كميِّ جريحاً قد سمعت له غَطِيطاً
انتهاء الحرب والصلح عدل
بعد يوم الحريرة تواعد الحيان من العام المقبل إلى عكاظ فوافوا الموعد وجاءت كنانة وقيس عيلان.

وكان عتبة بن ربيعة العبشمي القرشي الكناني يتيما في حجر ابن عمه حرب بن أمية سيد قريش وكنانة فضربه حرب وأشفق من خروجه معه، فخرج عتبة بغير إذن حرب، فلم يشعر إلا وعتبة على بعيره بين الصفين ينادي: " يا معشر مضر علام تفانون ؟" فقالت له هوازن: "ما تدعو إليه ؟"، قال: " الصلح، انصرفوا فيعد هذا الأمر إلى أحسنه وأجمله فإنكم في شهر حرام وقد عورتم متجركم وانقطعت موادكم وخاف من قاربكم"، قالوا: " لا ننصرف أبدا ونحن موتورون ولو متنا من آخرنا"، قال: "فالقوم قد وتروا وقد قتلوا نحوا مما قتلتم وجرحوا كلما جرحتم"، فقالت قيس عيلان: " قتلانا أكثر من قتلاهم "، فقال عتبة بن ربيعة: " فإني أدعوكم إلى خطة هي لكم صلاح ونصفة، عدوا القتلى فإن كان لكم الفضل ودينا فضلكم، وإن كان لهم وديتم فضلهم". قالوا: " ومن لنا بذلك"، قال: "أنا"، قالوا: " ومن أنت ؟"، قال: " أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس" فرضيت قيس عيلان بذلك وقال أبو البراء العامري الهوازني: " لا يرد هذه الخطة أحد إلا اخذ شرا منها، نحن نفعل "، وأجابوا فاستوثق من رؤساء قيس عيلان من أبي براء وسبيع بن ربيعة، ثم انطلق إلى حرب بن أمية وابن جدعان وهشام بن المغيرة فاستوثق منهم، فرضت كنانة وتحاجز الناس وأمنوا وعدوا القتلى فوجدوا أن قتلى قيس عيلان كانوا أكثر من قتلى كنانة بعشرين رجلا فودتهم كنانة ورهن يومئذ حرب بن أمية ابنه أبا سفيان بن حرب ورهن الحارث بن علقمة العبدري القرشي ابنه النضر بن الحارث ورهن سفيان ان عويف الحارثي الكناني ابنه الحارث في ديات القوم عشرين دية حتى يؤدوها وانصرف الناس كل وجه وهم يقولون: " حجز بين الناس عتبة بن ربيعة فلم يزل يذكر بها آخر الأبد"، ووضعت الحرب أوزارها فيما بينهم وتعاهدوا وتعاقدوا أن لا يؤذي بعضهم بعضا فيما كان بينهم من أمر البراض وعروة والغطفاني والغنوي، وانصرفت قريش فترافدوا في الديات فبعثوا بها إلى قيس وافتكوا أصحابهم، وقدم أبو براء معتمرا بعد ذلك فلقيه ابن جدعان فقال: " أبا براء! ما كان أثقل على موقفك يومئذ؟"، فقال أبو براء: " ما زلت أرى أن الأمر لا يلتحم حتى رايتك فلما رأيتك علمت أن الأمر سيلتحم وقد آل ذلك إلى خير وصلح"، [28] وقيل ودى القتلى حرب بن أمية القرشي الكناني، وزعم بنو كنانة أن القتلى الفاضلين فتلاهم وأنهم هم ودوهم، وبذلك انقضت حرب الفجار فاجتمعت القبائل على الصلح وتعاقدوا ألا يعرض بعضهم لبعض.[23][29]

وأبى وهب بن معتب بن مالك بن كعب الثقفي الصلح، وخالف قومه قيس عيلان وجعل لا يرضى بذلك حتى يدركوا بثأرهم، فقال فيه أمية بن حرثان بن الأسكر بن سربال الموت الليثي الكناني: الكامل

المرء وهب وهب آل معتب مل الغواة وأنت لما تملل
تسعى توقدها وتجزل وقدها وإذا تعاطى الصلح قومك تأتلي
واندس وهب بن معتب حتى أغار بقوم معه من هوازن على بني الملوح وبني مدلج وهما حيان من كنانة بصحراء الغميم بين مكة والمدينة المنورة، وفي القوم سلمة بن سعلاء وقيل ابن سعدي البكائي الهوازني وخالد بن هوذة العامري الهوازني، وناس من بني هلال عليهم ربيعة بن أبي ظبيان الهلالي الهوازني، وناس من بني نصر بن معاوية عليهم مالك بن عوف النصري الهوازني وهو يومئذ أمرد وهذا أول يوم ذُكر فيه، فقاتلوهم وجعل مالك يقاتل ويرتجز: الرجز

أمرد يهدي حلمه شيب اللحى
فقتلت بنو مدلج يومئذ عبيد بن عوف البكائي الهوازني وسبيع بن المؤمل الجسري المحاربي، وأما بنو الملوح فكان النصر أول النهار لهم ثم انهزموا واستحر فيهم القتل، فقتل منهم ثلاثين رجلا وسيقت البهائم.

ثم كان الرجل من الحيين بعد ذلك يلقى الرجل والرجلان يلقيان الرجلين فيقتل بعضهم بعضا، ومن ذلك ابن محمية بن عبد بن جابر الدؤلي الكناني لقي زهير بن ربيعة العامري الهوازني والد الشاعر خداش بن زهير، فقال زهير: " إني حرام جئت معتمرا"، فقال له ابن محمية: " ما تلقى طوال الدهر إلا قلت أنا معتمر"، فقتله ثم ندم فقال يرتجز: الرجز

لاهم إن العامري المعتمر لم آت فيه عذرة المعتذر
وقال في ذلك ربيعة بن علس الشويعر الليثي الكناني:

تركنا ثاويا يزقو صداه زهيرا بالعوالي والصفاح
أتيح له ابن محمية بن عبد فأعجله التسوم بالبطاح
وبعد انقضاء الحرب أرسل عبد الله بن جدعان التيمي القرشي ستين بعيرا مع رجل من حضرموت يرعى له بنجد فعدا أهل نجد على الحضرمي فقتلوه وانتهبوا الإبل، وكان عبد الله بن جدعان قد اتهم خداش بن زهير العامري الهوازني فأمسك خداش عن الحج وخاف قريشا، ثم بعث خداش بعد ذلك بهدي له ينحر بمنى فلما وقف هديه بالمنحر من منى رآه رجال من قريش، فقالوا: " لمن هذه البدن"، فقيل: " لخداش بن زهير"، فقالوا: " ألعدو الله المستحل أموال أهل الحرم لا والله لا تنحر ههنا أبدا"، ثم ضربوا وجوهها من منى فبلغ ذلك خداش بن زهير فقال يهجو ابن جدعان:[30]

إن يك ذو الضرع ابن جدعان سبني فإني بذي الضرع ابن جدعان عالم
أغرك أن كانت ببطنك عكنة وإنك مكفي بمكة طاعم
يسرك أن يهدى لك البرك مصلحا وتضرط إن تجنى عليك العظائم
ولولا رجال من قريش أعزة سُلبتم ثياب البيت والبيت قائم
ولولا بني بكر وحد سيوفهم لجالت عليكم في الحجيج المقاسم
أبى لكم أن النفوس أذلة وأن القرى عن طارق الليل عاتم
وإن الحلوم لا حلوم وأنتم من الجهل طير تحته الماء دائم
مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حرب الفجار

شهد النبي صلى الله عليه وسلم جميع أيام حرب الفجار الرابع إلا يوم نخلة وكان ضمن بني كنانة لكونه منهم.[31] وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم أول ما شهد حرب الفجار 14 سنة وانتهت وهو ابن 20 سنة،.[31]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«قد حضرته مع عمومتي، ورميت فيه بأسهم، وما أحب أني لم أكن فعلت»، [32] وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«كنت أنبل على أعمامي»، [33] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ما سرني أني لم أشهده إنهم تعدوا على قومي عرضوا عليهم أن يدفعوا إليهم البراض صاحبهم فأبوا» [34].