الاثنين، 14 نوفمبر 2016

العرب قبل الاسلام

العرب قبل الإسلام مصطلحٌ يُعبِّرُ عن أحوال العرب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في شبه الجزيرة العربية والمناطق التي سكنها العربُ قديماً قبل انتشار الإسلام، وتقع هذه المناطق جغرافيّاً ضمن ما يُعرف باسم الصفيحة العربية. لقد تعرض تاريخ العرب قبل الإسلام إلى الإهمال في بداية العصور الإسلاميةلأسبابٍدينيّةٍ[بحاجة لمصدر]، وبدأت الدراسات عن تاريخ العرب القديم وشبه الجزيرة العربية بشكلٍ عامّ في العصر الحديث، تحديداً في القرن التاسع عشر، حيث أبدى المستشرقون اهتماماً كبيراً بدراسةهذاالمجال[بحاجة لمصدر]، فقد تمكنوا من ترجمةِ ونشرِ عددٍ كبيرٍ من النقوش المكتشفة، وكذلك صياغةِ التاريخ بشكل علميّ، معتمدين في ذلك على المصادر الأوليّة القديمة التي أشارت إلى حياة العرب في تلك الأزمنة.

التاريخ الجيولوجي

كانت الجزيرة العربية في الفترات التاريخية القديمة أرضًا شديدة الخصوبة بها أنهار جارية، وتم اكتشاف بقايا حيوانات ضخمة في الجزيرة العربية، ففي غرب الجزيرة العربية، تم اكتشاف بقايا فيلة ضخمة وقطط حادة الأسنان وضباع، وفرس النهر، وزراف وبقر وغزلان وتماسيح والسلاحف وأسماك، وكذلك جذور أشجار متحجرة يصل طول بعضها إلى عشرة أمتار[1]، وفي جنوب الجزيرة العربية تم اكتشاف آثار ديناصورات بعضها لآكلي اللحوم (ألوصور)، والبعض لديناصورات آكلة نباتات، إضافة لاكتشاف بيضة ديناصور في منطقة أرحب اليمنية.[2] وفي غرب الجزيرة العربية، تم اكتشاف عظام ديناصور يصل طوله إلى 12 متر.[3] وبيضة ديناصور في ينبع تعتبر الأكبر من نوعها عالميًا.
العرق السامي

يرجع الاستيطان البشري إلى مليوني سنة، وبحسب النصوص الدينية فإن آدم أبو البشر، وخرجت حوء من ضلعه حواء في جدة[من صاحب هذا الرأي؟]. وتشير الأبحاث إلى أن شعب الجزيرة العربية كان على هيئة جماعات منظمة تحترف الزراعة والرعي والصيد ذلك حتى منتصف العصر الهيليوسيني (9,000-2,500 ق.م)، وشكل ذلك الشعب "العرق السامي" الذي تعرض لدراسات لتحديد معالمه وثقافته، وقد أظهرت الشعوب السامية احتفاظها بالكثير من الخصائص الدينية واللغوية المشتركة، منها مصطلحات متنوعة إدارية كـ"ملك" تدل على أنه كان لهم تنظيم سياسي موحد أو على الأقل تنظيمات منحدرة من أصل سياسي مشترك لا يبعد كثيرًا عن فترات التدوين التاريخي (حوالي 3500 ق.م).[4]، ولكن الإتساع الجغرافي للجزيرة العربية وطبيعة توزع موارد المياه كانت -بعكس مصر مثلا- سببا في صعوبة في الاستمرار الكيان السامي تحت حكومة موحدة. وتقول بعض الدراسات في "علم الوراثة الجينية" أن الجد الأقرب المشترك بين الساميين قد عاش في حوالي (6400) ق.م، وهناك دراسات لإعادة تشكيل الـ"لغة السامية الأم" -وبحسب بعض الدراسات أن اللغة العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظا بخصائص اللغة السامية الأم-. لكن التغيرات المناخية العالمية في أواخر عصر الهيليوسين والتي ظهر أثرها في (4300 ق.م) حيث بدأت الأمطار تقل في الجزيرة العربية وتجف الأنهار سببا في اتجاه سكان الجزيرة العربية تدريجيا إلى الشمال بما عرف بـ"الهجرات السامية" إلى حيث الوفرة المائية من الأنهار كدجلة والفرات ويقول بعض العلماء أن الجزيرة العربية قبل ذلك كانت أكثر إغراء للعيش فيها من العراق أو الشام[5]. حيث يلاحظ العلماء أن فترة نهاية المستوطنات في الجزيرة العربية مثل مستوطنات "ثقافة العبيد" كان مترافقا مع ظهور المستوطنات في بلاد ما بين النهرين، وذلك في أواخر فترات ما قبل التاريخ.
العرب


*  طالع أيضًا: عرب عاربة عرب مستعربة عرب بائدة
وبعد نشوء الهجرات السامية اطلقت كل جماعة منهم اسما تسمت به، أما أول ظهور تاريخي لكلمة "عرب" فقد كان في "معركة قرقر" في سنة (853 ق.م) واطلق هذا الاسم في البداية على سكان شمال الجزيرة العربية وبالذات مقترنا بالقيداريين، ثم توالى ذكر العرب في النصوص التاريخية بعد ذلك بشكل متسارع حتى شملت كلمة "عرب" ليس فقط سكان شمال الجزيرة العربية بل كل سكانها حتى الجنوب، وقد قسم المؤرخون المسلمون أصول العرب إلى ثلاث طبقات: وهم العرب العاربة، العرب المستعربة، والعرب البائدة. تلك التقسيمات بالإضافة إلى تسمية "عدنانيين" و"قحطانيين" لم تكن موجودة قبل الإسلام ولم يعرفها الأدب الجاهلي وإنما وجدت بعد الإسلام في الفترة الأموية حيث أصبح اليمانيون أو "عرب الجنوب" كما يسميهم المستشرقون من جهة وعرب باقي الجزيرة العربية "الشماليون" بحسب المستشرقين من جهة أخرى يتبارون في المفاخر وكل فئه تنسب أصل العروبة لها فاليمانيون يقولون منًا يعرب ونحن أصل العرب والشماليون يقولون نحن فقط بني أسماعيل أبو العرب وأنتم لستم منه، والمعروف أن العرب جميعهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم[بحاجة لمصدر] النبي، وتشير المصادر التاريخية القديمة أن العرب عرفوا باسم "الإسماعيليين"[بحاجة لمصدر] حتى فترات قريبة من الإسلام، وتذكر الكتب السماوية قصة البشارة حيث نجد أن الله قد وعد نبيه إبراهيم الخليل بأن إبنه إسماعيل الابن البكر لأمه هاجر سيكون من أعقابه أمة كبيرة، ويذكر في سيرة الخليل إبراهيم أنهم لما بلغوا بئر سبع بفلسطين صلى على إبنه الأكبر إسماعيل، وأمته من العرب. وقد ورد في القرآن الكريم استجابة الله لإبراهيم عندما دعا ربه قائلا :

 رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ



 .[6]، وجاء في التوراة:(وأما إسماعيل قد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا. إثني عشر رئيسا يلد. واجعله أمة كبيرة)[7]. أما "العرب البائدة" فهم الأقوام القديمة التي لم يبق لها ذكر، بعض الشعوب العربية التي ذكرت في المصادر القديمة ثم اختفت هي: (العماليق، ثمود، القيداريين، مديانيين، دادانيين). وظهر من الجزيرة العربية الهكسوس الذين نزحوا من الشمال واستولوا علي الدلتا بشمال مصر في الألفية الثانية ق.م.
ولم يرد ذكر لإسماعيل في أي كتابة قديمة ولاتوجد دلائل أن العرب قبل الإسلام كانوا يعرفونه. فكلمة "عربي" في كل النصوص القديمة تعني البدوي سواء كان في الجزيرة العربية أو صحراء مصر وهي المكان التي ذكر التوراة أن إسماعيل وأمه المصرية نزلوا بها.
أما اليمنيون فلم يعرفوه البتة وكانوا يعتقدون أنهم أبناء آلهتهم [8]
بلاد العرب

بلاد العرب التاريخية تمتد من الجزيرة العربية جنوبًا حتى تركيا شمالًا، ويحدد بلينوس (القرن الأول الميلادي) حدودها الشمالية بجبال أمانوس (لواء الإسكندرونة الآن)[9] من الجهة اليسرى ومن الجهة اليمنى منطقة الرها في تركيا اليوم والتي تقع في "المنطقة العربية"[10] بحسب المؤرخين اليونان والرومان، هناك أسس العرب مملكة الرها في القرن الثاني للميلاد ووجود الشعوب العربية في تلك المنطقة يرجع لأقدم من ذلك بكثير، وآخر من هاجر إلى هناك هم "بنو شيبان" من بكر بن وائل بعد حرب البسوس وكانوا تابعين للمناذرة، واليوم فمعظم عرب الرها هم من "عرب المحلمية" الشيبانيين وبعض عرب محافظة ديار بكر التركية والتي لا تزال تحتفظ باسمها القديم، ومن الغرب تواجد العرب في منطقة الأهواز، وعموما يغلب على مناطق جنوب ووسط الجزيرة الفراتية وجنوب الشام العنصر العربي فيما عدا المناطق الجبلية الساحلية وأقصى شمال الجزيرة الفراتية حيث يخالطهم فيها أقوام ساميون آخرون. ومن كبريات المدن العربية في الجزيرة الفراتية نصيبين وسنجار وتكريت والموصل.
وتعد شبه الجزيرة العربية -تسمى كذلك شبه القارة العربية- هي أكبر جزء من بلاد العرب، وتقسم كالتالي:
عند اليونان والرومان
* قسم جغرافيو اليونان الجزيرة العربية إلى ثلاثة أقاليم رئيسية وهي:
* العربية البترائية تقع شمال شرق الجزيرة بين جنوب الشام وشرق فلسطين وعاصمتها بصرى.
* العربية السعيدة تقع جنوب الجزيرة العربية في اليمن وأجزاء من عمان والسعودية.
* العربية الصحراوية تضم بقية شبه الجزيرة العربية خصوصًا نجد.
أما الساحل الشرقي للجزيرة العربية فليس جبليًا ولا صحراويًا ويتكون من سهول منبسطة قليلة التضاريس وينحدر حتى يصل إلى الخليج العربي.
عند المؤرخين المسلمين
* الحجاز:الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية.
* نجد:هضبة واسعة بوسط شبة الجزيرة العربية.
* البحرين:الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية ويمتد من عمان إلى البصرة شمالاً.
* اليمن:الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية ويمتد من ظفار جنوباً إلى عسير شمالاً بمعنى كل ماهو جنوب مكة فهو يرجع إلى اليمن.
* تهامة:السهل الساحلي المحاذي للبحر الأحمر.
شرق الجزيرة العربية
.
أهم الفترات التاريخية في شرق الجزيرة العربية:
* مستوطنة الصبية (5500 ق.م)
* فترة العبيد (5000-3800 ق.م): (عين قناص في الهفوف والدوسرية ورأس الزور وأبو خميس بالجبيل وبالقرب من الجزيرة الحمراء).
* فترة حفيت (3200-2600 ق.م)
* فترة أم النار (2600-2000 ق.م): (مستوطنة هيلي)
* فترة دلمون (2200-1600 ق.م)
* فترة وادي سوق (2000-1600 ق.م)
* العصر الحديدي (1250-300 ق.م)
* المدمن (غرب مدينة زبيد) 2500-1800 ق.م[11].
* شمال شرق الجزيرة العربية:
هجر
يرى العلماء أن "ريموم" الذي حكم البحرين في حوالي 1750 ق.م كان أصله وبحسب النقش من "[هـ]جرم"، التي هي مدينة "هجر" (الإحساء اليوم)[12]، تحدثت المؤلفات اليونانية عن مدينة ذات ثراء فاحش هي مدينة دعوها جرهاء، أدواتهم المنزلية من الذهب والفضة وجدرانها وسقوفها مرصعة بالأحجار الكريمة والعاج وموشاة بالذهب والفضة، تجارتهم برية وبحرية، البحرية تصل للهند والصين وفارس والبرية تنقل إلى سوريا وفلسطين والأردن (سلع) وتسير مراكبهم حتى تبلغ بابل ومن هناك تكمل الطريق في الفرات ثم يتم تحميلها في قوافل لتنتشر البضائع إلى كل ماطق البلد[13]، يرى بعض العلماء أن جرهاء هي النطق الهلنستي لـ"هجر"[14]. من حوالي 220 ق.م قامت مملكة في الأحساء عرف ملوكها ب"ملوك هجر" معلوماتنا عنهم هي ناتجة عن دراسة لعملاتهم التي نقشت عليها اسماؤهم بخط المسند وقد تحول بعض سكان شرق الجزيرة العربية إلى المسيحية وعين لهم أساقفة في أربع اسقفيات هي اسقفة هجر واسقفية دارين واسقفية سماهيج واسقفية مازون.
الترتيب
الحـــاكــم
فترة الحكم (ق.م)
1
ابياثا
220-200
2
غير معروف
200-190
3
حارثة
190-170
4
غير معروف (قد يكون تالبوش والد أبئيل)
170-160
5
ابئيل
160-140
دلمون
هي مملكة عاصمتها جزيرة البحرين وضمت جزيرة فيلكا وأجزاء من شرق الجزيرة العربية.
* جنوب شرق الجزيرة العربية:
* ازدهرت عدة مواقع في الساحل الجنوبي الشرقي من الجزيرة العربية منها ملوخا ومجان وكان لها نشاط تجاري بحري مع بلاد الرافدين، وقد تم اكتشاف عدة مستوطنات تعود لعصور قديمة منها مستوطنات: هيلي، الدور، تل ابرق، مليحة، مويلح، الرميلة[15].
* من مشاهير شرق الجزيرة العربية: اسحق النينوي
غرب الجزيرة العربية
عدل
ذكرت السجلات القديمة ازدهار واحات شمال غرب الجزيرة العربية لا سيما تيماء ودومة الجندل، ثم حكم المعينيون غرب الجزيرة العربية حكما تشاركيا مع أهلها، ثم حكم الديدانيون وبعدهم قامت مملكة لحيان:
أسماء وفترات حكم حكام لحيان
الترتيب
الإسم
ملاحظات
الحكم
لحيان الأولى
1
شهرو

320-305 ق.م
2
هنأس بن شهرو

305-290 ق.م
3
ماني بن لوذان

290-250 ق.م
4
هماتو جشمو بن لوذان

250-240 ق.م
5
تولمي الأول

240-225 ق.م
6
هنأس بن تولمي

225-215 ق.م
7
تولمي بن هنأس الثاني

215-190 ق.م
8
عبدان هنأس الثالث

190-180 ق.م
-
سيطرة المعينيين

180-120 ق.م
9
مسعودو

120-100 ق.م
-
سيطرة الأنباط

100 ق.م-109 م
لحيان الثانية (بعد سقوط الأنباط)
10
تيمي
11
تامني بن تيمي
12
تارتلو الملقب بـ " سكيوبس "
13
عبدنان
14
صلحان
15
فضج
16
عمدان
17
شهر بن عاسفان
18
عدنان، وهو آخر ملك حكم في حوالي 355م
* من مشاهير غرب الجزيرة "شمعون التيماني" أحد كتبة التلمود[16].
وسط وشمال الجزيرة العربية

قامت في جنوب نجد مملكة كندة ، وكذلك قامت في وسط وشمال الجزيرة العربية مملكة قيدار، وقيدار هو ابن إسماعيل، وامتد حكم القيداريين حتى فلسطين وسيناء.
قالب:ملوك شمال الجزيرة
* من مشاهير وسط وشمال الجزيرة العربية:حاتم الطائي.
جنوب الجزيرة العربية


*  
ذكر المؤرخون الكبار مثل ـ هيرودوتس وسترابو وبلينيوس ـ في آثارهم المدونة أن أرض العرب الجنوبية كانت من أعمر الأراضي في الدنيا. ولقد كانت هذه التربة الغنية بما حصل لها من وسائل الري الفنية سببا للرفاه والسعادة ورغد العيش. فلقد أقيمت السدود المحكمة القوية على جوانب القنوات والبحيرات للسيطرة على المياه وضبطها وتوجيهها. ومن ذلك خزان الماء الشهير الضخم الذي شيد في مساحة من الأرض مقدارها ثمانية عشر ميلاً مربعاً عرضاً، ومائة وعشرون قدماً عرضاً، يضاف إلى ذلك الأحواض والعيون والمنابع المنحدرة من رؤوس الجبال. فلقد نظمت مصباتها تنظيماً دقيقاً في قنوات زراعية مقدرة تقديراً كاملاً بحيث لا ينهدر من مياهها شيء. وقد كانت الخضرة والربيع والثمار متوفرة في كل فصول السنة حتى أن الأشجار المتدلية القطوف كانت تظلل بأغصانها وأوراقها رؤوس الفرسان وهم على ظهور خيولهم في محراب أخاذ فاتن من إخضرار البساتين الممتدة إلى الأفق.
الشام والجزيرة

تتواصل بلاد العرب من شبه الجزيرة العربية جنوبا وتستمر في الجزيرة الفراتية حتى حدود أنطاكيا شمالا، وكان يغلب على سكان الشام الأصول العربية، حافظ العرب على أسمائهم العربية وآلهتهم التي استعملوها في مواضع سكناهم، ومع ذلك فقد تأثروا باللغات الموجودة في تلك المنطقة حيث أتقنوا تلك اللغات إلى جانب اللغة العربية. تعد هذه المدن هي أمهات المدن العربية في الشام الرها، تدمر، الرستن، الجابية، الرصافة، وحمص التي حكمتها سلاسة "شمسيغرام" التي منها جوليا دومنا ويوليا ميزا اللاتي انجبن الأباطرة كاراكلا وغيتا ومنهم كذلك الإمبراطوران ايل جبل وألكسندر سيفيروس. في العصر الروماني تم ضم مملكة الأنباط تحت اسم المقاطعة العربية منها الإمبراطور فيليب العربي وضم مملكة الرها تحت مقاطعة الرها وضم بلاد اليطوريين تحت اسم مقاطعة يطور.
الترتيب
الحـــاكــم
فترة الحكم

الترتيب
الحـــاكــم
فترة الحكم

الترتيب
الحـــاكــم
فترة الحكم

الترتيب
الحـــاكــم
فترة الحكم
1
جفنة بن عمرو
220-265

2
عمرو بن جفنة
265-270

3
ثعلبة بن عمرو
270-287

4
الحارث بن ثعلبة
287-307
5
جبلة بن الحارث
307-317

6
الحارث بن جبلة
317-327

7
المنذر بن الحارث
327-330

8
الأيهم بن الحارث
327-330
9
المنذر الأصغر
327-340

10
النعمان بن الحارث
327-342

11
عمرو بن الحارث
330-356

12
جبلة بن الحارث
327-361
13
جفنة بن المنذر
361-391

14
النعمان بن المنذر
361-462

15
النعمان بن عمرو بن المنذر
391-418

16
جبلة بن النعمان
418-434
17
النعمان بن الأيهم
434-455

18
الحارث بن الأيهم, و...
434-456

19
النعمان بن الحارث
434-453

20
المنذر بن النعمان, مع...
453-472
21
عمرو بن النعمان
453-486

22
حجر بن النعمان
453-486

23
الحارث بن حجر
486-512

24
جبلة بن الحارث
512-529
25
الحارث بن جبلة
529-569

26
المنذر بن الحارث
569-581

27
أبو كرب النعمان بن الحارث
618-633

28
النعمان بن المنذر
582-583
29
الحارث بن الحارث
583

30
النعمان بن الحارث أبو كرب
583-?

31
الأيهم بن جبلة
 ?-614

32
المنذر بن جبلة
614-?
33
شراحيل بن جبلة
 ?-618

34
عمرو بن جبلة
618-628

35
جبلة بن الحارث
628-632

36
جبلة بن الايهم
632-638
* من مشاهير الشام:صفرونيوس.
العراق

حكمت العراق عدة ممالك عربية هي مملكة ميسان ومملكة الحضر ودولة المناذرة وجميعهم تابعين للإمبراطورية الفارسية
قائمة ملوك المناذرة:
الترتيب
الحـــاكــم
فترة الحكم
1
عمرو بن عدي
268 - 295
2
امرؤ القيس بن عمرو
295 - 328
3
عمرو بن امرؤ القيس
328 - 363
4
أوس بن قلام
363 - 368
5
امرؤ القيس بن عمرو
368 - 390
6
النعمان بن امرؤ القيس
390 - 418
7
المنذر بن النعمان
418 - 462
8
الأسود بن المنذر
462 - 490
9
المنذر بن المنذر
490 - 497
10
النعمان بن الأسود
497 - 503
11
أبو يعفر بن علقمة
503 - 507
12
امرؤ القيس بن النعمان
507 - 514
13
المنذر بن امرؤ القيس
514 - 554
14
عمرو بن المنذر, الملقب بالمحرق الثاني
554 - 569
15
قابوس بن المنذر
569 - 577
16
فـيـشـهـرت
577 - 578
17
المنذر بن المنذر
578 - 582
18
النعمان بن المنذر, الملقب بأبو قابوس
582 - 609
19
إياس بن قبيصة
609 - 618
20
زاديه
618 - 633
* من مشاهير العراق: مار يشوعياب الأرزوني.

الحالة الاجتماعية

كان النسب هو العامل الفصل في مكانة الفرد فمن ولد في عشيرة كثيرة الأنفس ومنها أعيان المدينة فهو "عزيز" و"منيع" في تعبير ذلك الزمن ويعني في المصطلحات الحديثة مواطن لدولة قوية، أما من كان من عشيرة صغيرة وليس لها أعيان متبعون وفيهم المشورة فهو "حر" وليس عزيزا فلا يتجرأ على من ينتمي إلى العشائر الأقوى وإلا تعرض لأشد العقوبات من تلك العشيرة ولاتستطيع عشيرته حمايته وإلا تعرضت هي الأخرى لما تكره، أما الأحلاف وهم بتعبير اليوم "الوافدون" فكانت مكانتهم أقل من الأحرار فهم إما خلعاء من عشائرهم الأصلية أو قدموا للإقامة لأسباب أخرى فكانوا يربطون أنفسهم مع من نزلوا عنده فكان بمنزلة "الكفيل" اليوم فكان يقال فلان مولى فلان، وهم في حماية أحد الأفراد في عشيرة تلك المدينة، أما العبيد فمكانتهم منحطة لا حقوق لهم ويتم استغلالهم للعمل في الأمور التي يأنف منها اصحاب النسب[17]. وحين يكبر المجتمع العربي فإنه يحتاج لنظام للمشورة وقد تجلى ذلك في:


مكانة المرأة

حديث بياض ورياض
تبين الغزل العفيف.
كان اهتمام العرب قبل الإسلام بالمرأة استثنائيا بين الأمم، فاهتموا بحفظ كرامتها وسترها، فكان للنساء خدر في المسكن ويوفر السجف وهو الساتر لهم الحرية والخصوصية وفي الخارج كانت النساء تلبس مايسترها وتركب في الهودج عند السفر لأن لا يطلع عليها الغرباء. كان من النساء قبل الإسلام الطبيبة كاشفاء بنت عمرو وسيدة الأعمال كخديجة بنت خويلد. ووصلت المرأة إلى مراتب عليا كما هو حال بلقيس ملكة سبأ، وزنوبيا ملكة تدمر، وزبيبة وشمسي ملكات قيدار، ومناصب كبيرة لا سيما عند الأنباط[18]. ولم يقتصر دورها في الحياة الاجتماعية بل وفي صلب الحياة السياسية، وحتى في مجال العلاقات القبلية، فكثيراً ما كانت النساء تشارك في حل النـزاع بين القبائل، أو تأجيج الخلافات وإشعال الحروب، كما فعلت البسوس في الحرب التي سميت على اسمها، وهند بنت عتبة في معركة أُحُد وعائشة بنت أبي بكر في موقعة الجمل، ولكن مشاركة المرأة السياسية عموما كانت من وراء ستار، الأمر الذي جعل مشاركتها هامشية حينا ومستترة أحيانا، أو غير مدونة ولم يأتي على ذكرها أحد، فالتي أسعفها الحظ وبرزت دخلت بوابة التاريخ وذُكرت في سجلاته، والتي لم يسعفها الحظ طواها النسيان . وقد سجلت لنا المصادر التاريخية نساء كثيرات بنَيْنَ لأنفسهن قصص نجاح مميزة، أو تميّزن بالشخصية القوية أو برجاحة العقل، فزرقاء اليمامة مثلاً كانت تستشرف بذكائها ما وراء الأفق، وجهيزة قطعت ببلاغتها قول كل خطيب، وخديجة بنت خويلد كانت تجارتها تعادل ثلث تجارة مكة بأكملها، وفيلة الانمارية كانت تاجرة مهمة تبيع وتشتري بنفسها، وخالدة بنت عبد مناف، وصحر بنت النعمان اشتهرتا بالحكمة والذكاء والكمال، وكانت العرب تتحاكم عندهن في المشاجرات والأنساب، وهنالك خولة بنت الأزور الفارسة الشجاعة، والخنساء الشاعرة المخضرمة .. وبالإجمال يمكن القول أن وضع المرأة لم يكن بالصورة السيئة التي يحاول البعض رسمها، ولم تكن شخصيتها مستلبة تماما، فمثلا كانت المرأة تتمتع بحرية اختيار زوجها، وأن تشترط على زوجها أن تملك أمرها ولا يتزوج عليها. وما تسمية بعض القبائل بأسماء الأمهات كمزينة وبجيلة وباهلة، إلا دليل على المكانة الرفيعة للمرأة في ذلك الزمان .
السجايا العربية>

*  مقالة مفصلة: أخلاق العرب قبل الإسلام
عرفت الأمم الأخرى عن العرب صفات كثيرة كانت هذه الفضائل والأخلاق الحميدة رصيدا ضخما في نفوس العرب، فجاء الإسلام فنماها وقواها، ووجهها وجهة الخير والحق، فلا عجب إذا كانوا انطلقوا من الصحاري كما تنطلق الملائكة الأطهار، فتحوا الأرض، وملئوها إيمانا بعد أن ملئت كفرا، وعدلا بعد أن ملئت جورا، وفضائل بعد أن عمتها الرذائل، وخيرا بعد أن طفحت شر[19].
هذه بعض أخلاق المجتمع الذي تنتشر فيه الفضيلة فبذلك يكون مؤهلا لحمل الرسالة الإسلامية، وإنما اختير من هذه البيئة البكر؛ لأن الأقوام الأخرى وإن كانوا على ما هم عليه وما هم فيه من فلسفة ومعارف، إلا أنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه العرب من سلامة الفطرة، وحرية الضمير، وسمو الروح[20].
* الذكاء والفطنة :
فقد كانت قلوبهم صافية، لم تدخلها تلك الفلسفات والأساطير والخرافات التي يصعب إزالتها، كما في الشعوب المجاورة، فكأن قلوبهم كانت تعد لحمل أعظم رسالة في الوجود وهي دعوة الإسلام الخالدة؛ ولهذا كانوا أحفظ شعب عرف في ذلك الزمن، وقد وجه الإسلام قريحة الحفظ والذكاء إلى حفظ الدين وحمايته، فكانت قواهم الفكرية، ومواهبهم الفطرية مذخورة فيهم، لم تستهلك في فلسفات خيالية، وجدال بيزنطي عقيم، ومذاهب كلامية معقدة[21] وكان من أمر فطنتهم أنهم يستخدمون الإشارة فضلا عن العبارة، وشواهد ذلك كثيرة[22].
* الكرم والسخاء:
كان هذا الخُلُق متأصلا في العرب، وكان الواحد منهم لا يكون عنده إلا فرسه، أو ناقته، فيأتيه الضيف، فيسارع إلى ذبحها، أو نحرها له، وكان بعضهم لا يكتفي بإطعام الإنسان بل كان يطعم الوحش، والطير، وكرم حاتم الطائي سارت به الركبان، وضربت به الأمثال[23].
* المروءة والنجدة :
كانوا يتمادحون بالموت قتلاً، ويتهاجون بالموت على الفراش قال أحدهم لما بلغه قتل أخيه: إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا، ولكن قطعًا بأطراف الرماح، وموتًا تحت ظلال السيوف:
وما مات منا سيد حتف أنفه

ولا طُلّ منا حيث كان قتيل
تسيل على حد الظباة نفوسنا

وليست على غير الظباة تسيل
وكان العرب لا يقدمون شيئا على العز وصيانة العرض، وحماية الحريم، واسترخصوا في سبيل ذلك نفوسهم قال عنترة العبسي :
بَكَرَت تخوفني الحُتوف كأنني

أصبحت عن غرض الحتوف بمعزلِ
فأجبتها إن المنية منهل

لا بد أن أُسْقى بكأس المنهلِ
فأقني حياءك لا أبا لك واعلمي

أني امرؤ سأموت إن لم أقتل[24]
وقال عنترة:
لا تسقني ماء الحياة بذلة

بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم

وجهنم بالعز أطيب منزل[22]
وكان العرب بفطرتهم أصحاب شهامة ومروءة، فكانوا يأبون أن ينتهز القوي الضعيف، أو العاجز، أو المرأة أو الشيخ، وكانوا إذا استنجد بهم أحد أنجدوه ويرون من النذالة التخلي عمن لجأ إليهم.
* عشقهم للحرية، وإباؤهم للضيم والذل :
كان العربي بفطرته يعشق الحرية، يحيا لها، ويموت من أجلها، فقد نشأ طليقًا لا سلطان لأحد عليه، ويأبى أن يعيش ذليلاً، أو يمس في شرفه وعرضه ولو كلفه ذلك حياته، فقد كانوا يأنفون من الذل ويأبون الضيم والاستصغار والاحتقار وتتكرر تلك القيمة مرارا في الشعر الجاهلي، ولاتجد شعوبا أخرى تتسلط عليهم وتحتلهم طوال تاريخهم، وأشاد هيرودوتس بحب العرب للحرية، وحفاظهم عليها ومقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم واستذلالهم[25].
* الوفاء والصدق :
أما وفاؤهم: فقد قال النعمان بن المنذر لكسرى في وفاء العرب: «وإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومئ الإيماء فهي وَلث[26] وعقدة لا يحلها إلا خروج نفسه، وإن أحدهم يرفع عودًا من الأرض فيكون رهنًا بدينه فلا يُغلق رهنه ولا تخفر ذمته، وإن أحدهم ليبلغه أن رجلاً استجار به، وعسى أن يكون نائيا عن داره، فيصاب، فلا يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي أصابته، أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره، وأنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله»[27]. والوفاء خلق متأصل بالعرب، فجاء الإسلام ووجهه الوجهة السليمة، فغلظ على من آوى محدثًا مهما كانت منزلته وقرابته، قال رسول الله: «لعن الله من آوى محدثا»[28]. ومن القصص التي توضح شيمة الوفاء عندهم: «أن الحارث بن عباد قاد قبائل بكر لقتال تغلب وقائدهم المهلهل الذي قتل ولد الحارث، وقال: (بؤ بشسع نعل كليب) في حرب البسوس، فأسر الحارث مهلهلاً وهو لا يعرفه، فقال دلني على مهلهل بن ربيعة وأخلي عنك، فقال له: عليك العهد بذلك إن دللتك عليه، قال: نعم قال: فأنا هو، فجز ناصيته وتركه» وهذا وفاء نادر ورجولة تستحق الإكبار[29]. ومن وفائهم: أن النعمان بن المنذر خاف على نفسه من كسرى لما منعه من تزويج ابنته فأودع أسلحته وحرمه إلى هانئ بن مسعود الشيباني، ورحل إلى كسرى فبطش به، ثم أرسل إلى هانئ يطلب منه ودائع النعمان، فأبى، فسير إليه كسرى جيشًا لقتاله فجمع هانئ قومه آل بكر وخطب فيهم فقال: «يا معشر بكر، هالك معذور، خير من ناج فرور، إن الحذر لا ينجي من قدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الطعن في ثغر النحور، أكرم منه في الأعجاز والظهور، يا آل بكر قاتلوا فما للمنايا من بد»[30]، واستطاع بنو بكر أن يهزموا الفرس في موقعة ذي قار، بسبب هذا الرجل الذي احتقر حياة الصغار والمهانة، ولم يبال بالموت في سبيل الوفاء بالعهود.
* الصبر على المكاره وقوة الاحتمال، والرضا باليسير :
كانوا يقومون من الأكل ويقولون: البطنة تذهب الفطنة، ويعيبون الرجل الأكول الجشع، قال شاعرهم:
إذا مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذا أجشع القوم أعجل[31]
وكانت لهم قدرة عجيبة على تحمل المكاره والصبر في الشدائد، وربما اكتسبوا ذلك من طبيعة بلادهم الصحراوية الجافة، قليلة الزرع والماء، فألفوا اقتحام الجبال الوعرة، والسير في حر الظهيرة، ولم يتأثروا بالحر ولا بالبرد، ولا وعورة الطريق، ولا بعد المسافة، ولا الجوع، ولا الظمأ، ولما دخلوا الإسلام ضربوا أمثلة رائعة في الصبر، والتحمل وكانوا يرضون باليسير، فكان الواحد منهم يسير الأيام مكتفيا بتمرات يقيم بها صلبه، وقطرات من ماء يرطب بها كبده[32].
* قوة البدن وعظمة النفس :
واشتهروا بقوة أجسادهم مع عظمة النفس وقوة الروح، وإذا اجتمعت البطولة النفسية إلى البطولة الجسمانية صنعتا العجائب، وهذا ما حدث بعد دخولهم في الإسلام. كما كانوا ينازلون أقرانهم وخصومهم، حتى إذا تمكنوا منهم عفوا عنهم وتركوهم، يأبون أن يجهزوا على الجرحى، وكانوا يرعون حقوق الجيرة، ولا سيما رعاية النساء والمحافظة على العرض قال شاعرهم:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواها
وكانوا إذا استجار أحد الناس بهم أجاروه، وربما ضحوا بالنفس والولد والمال في سبيل ذلك.

الحالة الثقافية

الديانة
.
في الفترة التي سبقت الإسلام كان معظم العرب قد فقدوا تعاليم أنبياء الله إليهم مثل: هود وصالح، كما ضعفت تعاليم الحنيفية دين أبيهم إبراهيم، وأصبحوا على الوثنية يعبدون الأصنام، وكانت منهم قلة دانت بالمسيحية، واليهودية، وقلة أخرى ضئيلة دانت بديانات الصابئة والحنيفية.
* الوثنية
*

*  مقالة مفصلة: ميثولوجيا عربية
كان في مكة 360 صنماً منثوراً حول الكعبة، حيث كان لكل قبيلة أو عشيرة عربية صنمها الخاص بها، وكان هناك أصنام مميزة كاللات والعزى ومناة وثلاثتها كن يعتبرن بنات الله، وأساف ونائلة وهما صنمان لهما أسطورتهما الخاصة بهما، وهناك أصنام أخرى ذكرها القرآن وكانت تحظى بمكانة خاصة عند العرب وهي ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر

 وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا


، كما كان هناك كبير الآلهة هُبَل، وهو الموازي للإله الكنعاني بعل، وللإله اليوناني زيوس.
كانت الألوهية العليا في جاهلية العرب قبل الإسلام منوطة بالله وحده، وكانوا يبجلونه كقوة مسيطرة نافذة، ولكنه يستعين بشركاء له في تأدية مهماته المقدسة وهم الأصنام التي كانوا يتقربون إليها حسب حاجتهم لكل منها.


* الحنيفية


الحنيفية هي ملة إبراهيم وتصنف إلى جانب اليهودية والمسيحية كديانة سماوية، على الرغم من الخلاف حول وجودهم التاريخي بين بعض الباحثين.[33][34] كما يعتقد أن النبي محمداً نفسه كان حنيفياً قبل أن توحى إليه رسالة الإسلام.[35]

من تشهر الحنيفيين
. نزار بن معد امير مكة والجد الجامع للقبائل العدنانية
. عماره بن مالك طبيب وعالم ويلقب بالافعى الجرهمي
. نفيل بن عبدالغزى قاض من قضاة  مكة وهو جد الصحابي الجليل عمر بن الخطاب
. الحارث بن عباد اليشكري شاعر وحكيم من حكماء العرب وكان فارس لا يشق له غبار

* المسيحية
انتشرت المسيحية على نطاق واسع بين عرب الشام والعراق، ووجدت عدة أسقفيات على المذهب النسطوري في شرق الجزيرة العربية، وهي أسقفية هجر، وأسقفية سماهيج، وأسقفية عراد، وأسقفية مازون، أما في غرب الجزيرة العربية فقد كانت نجران مركز المسيحية هناك.[36]
من مشاهير المسيحيين العرب:
* رهبان القدس:
* ماريس[37]
* إلياس اسقف القدس ت.(518م)[38]
* صفرونيوس اسقف القدس ت. (11 مارس 638م)[39]
الأدب


*  مقالة مفصلة: أدب جاهلي
أشهر شعراء الجاهلية:
   •   الحارث بن عباد اليشكري
* عنترة بن شداد
* المهلهل بن ربيعة
* امرؤ القيس الكندي
* العروة بن الورد
* الخنساء
* أوس بن حجر
* الاعشى
* زهير بن أبي سلمى
* عمرو بن كلثوم
* الحارث بن حلزة اليشكري
* لبيد بن ربيعة العامري
* طرفة بن العبد
* عبيد بن الأبرص
* النابغة الذبياني
العلوم

.
بالرغم من عدم وجود مخطوطات علمية ترجع للعصور الجاهلية إلا أن هنالك مايدل على أنه كانت لديهم علوم متوارثة في مجالات مختلفة، في مجال الفلك الذي كان الجاهليون يدعونه "علم الأنوار"[40] عرفوا مواقع النجوم واستدلوا بها للاهتداء إلى مسالكهم في البر والبحر، ولهم معرفة في أوقات ظهور الكواكب حيث كانوا يعبدون بعض الكواكب لاسيما "الزهرة" التي تظهر في أوقات محددة والتي مثلوها بصنم هو "العزى"، في مجال الرياضيات يذكر أن فيثاغورس كان قد زار ضمن رحلته بلاد العرب ليتعلم من حكمة أهلها، كان العرب أمة تجارية ولاشك انهم استخدموا أنماط كثيرة من علوم الرياضيات ومنها الجبر، يقول الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت

إلى حمام سراع وارد الثمد
قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا مع نصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما ذكرت

تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكملت مائة فيها حمامتها

وأسرعت حسبة في ذلك العدد
فتتكون لدينا معادلة جبرية:



في مجال الطب، برع في العصر الجاهلي بعض الأطباء منهم:
* ابن أبي رمثة التميمي
* الحارث بن كلدة
* النضر بن الحارث
* ضماد والشفاء بنت عمرو
* ابن حزيم
وفي مجال البيطرة:
* العاص بن وائل
ويعتبر يوم 27 سبتمبر في تقويم القديسين هو يوم صوم لذكرى استشهاد طبيبين من النصارى العرب هما "كوسماس" و"ديماس" عام 303م ذلك في فترة الاضطهاد الروماني للنصارى[41]، ويذكر التلمود أن اليهود كانوا يطلبون خبرة العرب في مجال الطب[42]. وفي مجال هندسة المياه نجد أنهم قد ابتكروا نظام القنوات المائية (الأفلاج) حوالي 1000 ق.م[43] وأقاموا السدود منذ وقت مبكر وأشهر تلك السدود هو سد مأرب الذي يغذي بشبكة قنواته حوالي 72 كم2[44]، وقد اكتشفت نماذج أولية من محركات هيدروليكية في معبد أوام[45].

الحالة الاقتصادية


*  مقالة مفصلة: التجارة العربية
اقتصاد الجزيرة العربية في ذلك الوقت كان يعتمد على شبكة التجارة العربية القديمة، وبالإضافة لذلك فهناك نشاطات اقتصادية متعددة منها الزراعة والتي ازدهرت في بعض المناطق بالرغم من عدم وجود أنهار دائمة في الجزيرة العربية، فاستعمل العرب قديما أنظمة السدود وقنوات الري خصوصا في اليمن وشرق الجزيرة العربية ووادي القرى شمال الحجاز والطائف التي تعتبر فرضة أهل مكة، وتلك المناطق انتجت اصنافا من الحبوب والفاكهة أما الزراعة في الأقسام الأخرى من الجزيرة العربية اعتمدت على زراعة نخيل التمر بشكل أساسي، اقتصاد مكة كان متينا حيث كانت مركزاً تجارياً ودينياً هاماً نظراً لمرور القوافل التجارية القادمة من الشمال والجنوب بها، وترجع أهميتها الدينية لوجود الكعبة المقدسة فيها، والتي يفد إليها الحجاج كل عام مما كان يساعد على الازدهار الاقتصادي كذلك.[46].
كانت قريش أهل تجارة قد أوسر سادتها من ورائها. فكانت عيرهم تنطلق صيفا الشام وفلسطين ومصر. وشتاء كانت هذه القوافل تتجه جنوبا لليمن. وكانت القوافل التجارية الكبرى تتجه غادية رائحة. فكانت تمر بأطراف شبه الجزيرة العربية علي ثلاثة محاور رئيسية. فكان هناك طريق القوافل الجنوبي الشمالي حيث كانت تقطعها من جدة بالحجاز إلي الشام وسيناء ومصر. والطريق الثاني يقع في أطراف شرق الجزيرة العربية متجها من الخليج العربي جنوب العراق ليصل لبلاد الرافدين شمالا، ليعرج منها للشام الي دمشق لتصل هذه القوافل لبلاد الشام وفلسطين . والطريق الثالث كان يقع بغرب الجزيرة العربية ويمر بحذاء ساحل البحر الأحمر. ويبدأ من اليمن عبر جدة, فالمدبنة ليتجه شمالا للشام والبتراء بالأردن. وهذه الرحلات الموسمية صيفا وشتاء ظل عليها العرب مبقين.

العمارة


*  مقالة مفصلة: عمارة جاهلية
تتسم العمارة عند العرب قبل الإسلام بالطابع الشخصي أكثر بكثير من الطابع الملكي المركزي، فتكثر البقايا العمرانية التي تعود لأفراد عاديين كبقايا البيوت في المستوطنات القديمة بينما تقل آثار الدول من معابد كبيرة ومسارح وغيرها بشكل واضح، بنيت معظم المساكن والمنشآت باللبن فوق أسس من الحجر، لذلك تم الكشف عن اسس العديد من المستوطنات، وكان فن العمارة قد ازدهر بشكل خاص في جنوب وشمال غرب الجزيرة العربية.

الفنون

الموسيقى والغناء
.
الأدوات المستخدمة:
1.الطنبور.
2.العود، أنواعه:
* المزهر وهو ذو تجويف جلدي.
* الكران.
* البربط (ويعني صدر البطة).
* الموتر.
3. الجنك وهو يشبه القانون.
4. المعزفة وهي نوع من أنواع القانون.
5.المربع وهو غالبا القيثار المربع ذو التجويف المنبسط.
الرسم والفسيفساء


عثر الباحثون على رسومات ومخربشات حجرية منذ زمن ما قبل التاريخ في عدة مواضع من شبه الجزيرة العربية; تعكس تلك الرسومات مشاهد صيد وقتال أو تصوير لأشجار وحيوانات. يذكر ان المناذرة كانوا يستخدمون الرسومات في قصورهم وفي كنائسهم في الحيرة، وبالرغم من هدم قصور الحيرة لاستخدام موادها من اخشاب وأعمدة وطابوق لإعمار الكوفة الإسلامية إلا ان الحفريات في بداية القرن العشرين كشفت عن أساسات جدران مطلية بالجص عليها رسومات نباتية، كما عثر على رسومات في قرية الفاو عاصمة كندة[47]، وفي البتراء وبصرى، وفي "قصر شقر الملكي" في شبوة[48]. أزدهر فن الفسيفساء في مملكة الأنباط واستمر ازدهاره حتى العصور المسيحية، وهناك عدد كبير من اللوحات الفسيفسائية صنعها سكان تلك المناطق لا سيما في أم الرصاص وجرش والنتل ومادبا، وهناك لوحات فسيفسائية ترجع لزمن الغساسنة منها فسيفساء كنيسة "سرجيوس" في النتل، يذكر الإخباريون وجود لوحات من الفسيفساء في كنائس المناذرة في الحيرة، لكن لم يبق منها أثر، أما في جنوب الجزيرة العربية ليس هناك إلا مثالين للوحات فسيفسائية بها أشكال هندسية وترجع لزمن القتبانيين.

الحالة السياسية


العلاقات البينية للممالك والشعوب العربية القديمة متعددة وتشتمل على العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، في مجال العلاقات السياسية لممالك جنوب الجزيرة العربية نجد أن هذه الممالك تحاربت وتوحدت مرارا عبر التاريخ كما ارسلت بعثاتها فيما بينها وإلى العرب الشماليين، من ذلك حضور ممثلي مملكة سبأ تتويج العزيلط ملك مملكة حضرموت، ونجد أن العزيلط في وقت لاحق قد استقبل وفودا من تدمر ومن قريش، وكذلك قيام حرب بين قوات ملك كرب يعفر ملك حمير من طرف وقوات المنذر بن امرئ القيس ملك المناذرة والثائرين معه في الطرف آخر والتي حدثت في "مأسل الجمح" عام (516م)[49]، وللحميريين حملات أخرى في شبه الجزيرة العربية منها حملتهم (360م) على يبرين (شرق الجزيرة العربية) وجو (تسمى اليمامة الآن شمال شرق الجزيرة العربية) والخرج (وسط الجزيرة العربية) حيث اشتبك الحميريون من من ضمن من اشتبكوا معهم مع قبائل معروفة هي إياد ومعد وعبد القيس ومراد وكانت هزيمة القبيلتين الأخيرتين في "سيان" شمال شرق مكة بين أرض نزار وأرض غسان بحسب النقش[50]، ونجد زيارة أبو كرب اسعد لديار معد بمناسبة تنصيب مسؤولين لقبيلتهم[51]، ونجد نقش نفس الملكين في "مأسل" كذكرى لمرورهم في تلك الأراضي مصطحبين معهم أعيان دولتهم، وكذلك بعثة شمر يرعش إلى مالك ملك الأزد التي أكملت طريقها إلى المدائن وسلوقية.
قبيل الإسلام انهارت ثلاث دول عربية قديمة هي مملكة حمير (525 م) ومملكة الغساسنة (583 م) ومملكة المناذرة (609 م) وكانت كل واحدة منهم فيما سبق تؤلف دولة تحكم أراضيها وتمد سيطرتها على مناطق أخرى بواسطة قبائل تحكمها تلك الحكومات بشكل مباشر ويكون استتباع هذه القبائل هو بتبادل المصالح فتوفر الدول المال للقبائل للحفاظ على طرق شبكة التجارة العربية والتي كانت الشريان الأساسي لاقتصاد الجزيرة العربية من قطاع الطرق سواء بواسطة الصعاليك الخلعاء أو حتى بواسطة القبائل الأخرى والتي لم تكن تنظر لهذا العمل على أنه جريمة بل فخر[52][53] حيث يحصل قاطع الطريق على المال لأهله وعشيرته من قوم لاتربطه بهم صلة دم أو دين. وتشترك القبائل المحكومة من قبل تلك الدول مع هذه الدول في حروبها وفي المقابل توفر هذه الدولة الحماية للقبائل فتعلن الحرب على من يتهجم ويتحرش بهذه القبائل، فكان سقوط هذه الدول القوية قبيل قبيل البعثة إيذانا بحالة من عدم الاستقرار والحروب[54] بين تلك القبائل التي لاتجد غير العنف لفرض هيبتها حيث لو أحس الآخرون ضعفا استخفوا بها وهاجموها حيث ترسخت هذه المعطيات السياسية فيما بعد على شكل قيم متوارثة[55] فيقول الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى:
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه

يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
طبيعة الحكم داخل مجتمعات كمكة هو النظام العشائري، حيث يتشارك أعيان تلك العشائر القوية في تلك المدينة بالحكم عبر النقاش، وفي حالة مكة فإن هناك مجلس هو دار الندوة يلتقي فيه الأعيان ويناقشون الأمور الداخلية مثل فض المنازعات بين الأفراد والأمور الخارجية مثل الحروب وعقد الأحلاف وتنظيم التجارة.

الجمعة، 11 نوفمبر 2016

طسم و جديس

كان طسم بن لوذ بن إرم بن سام بن نوح ، وجديس بن عامر بن أزهر بن سام ابني عم ، وكانت مساكنهم موضع اليمامة ، وكان اسمها حينئذ جوا ، وكانت من أخصب البلاد وأكثرها خيرا ، وكان ملكهم أيام ملوك الطوائف عمليق ، وكان ظالما قد تمادى في الظلم والغشم والسيرة الكثيرة القبح ، وإن امرأة من جديس يقال لها هزيلة طلقها زوجها وأراد أخذ ولدها منها فخاصمته إلى عمليق وقالت : أيها الملك حملته تسعا ، ووضعته دفعا ، وأرضعته شفعا ، حتى إذا تمت أوصاله ، ودنا فصاله ، أراد أن يأخذه مني كرها ، ويتركني بعده ورها . فقال زوجها : أيها الملك إنها أعطيت مهرها كاملا ، ولم أصب منها طائلا ، إلا وليدا خاملا ، فافعل ما كنت فاعلا . فأمر الملك بالغلام فصار في غلمانه ، وأن تباع المرأة وزوجها فيعطى الزوج خمس ثمنها وتعطى المرأة عشر ثمن زوجها ، فقالت هزيلة :


أتينا أخا طسم ليحكم بيننا فأنفذ حكما في هزيلة ظالما     لعمري لقد حكمت لا متورعا 
ولا كنت فيمن يبرم الحكم عالما     ندمت ولم أندم وأنى بعترتي 
وأصبح بعلي في الحكومة نادما


فلما سمع عمليق قولها ، أمر أن لا تزوج بكر من جديس وتهدى إلى زوجها حتى [ ص: 322 ] يفترعها ، فلقوا من ذلك بلاء وجهدا وذلا ، ولم يزل يفعل ذلك حتى زوجت الشموس ، وهي عفيرة بنت عباد أخت الأسود ، فلما أرادوا حملها إلى زوجها انطلقوا بها إلى عمليق لينالها قبله ، ومعها الفتيان ، فلما دخلت عليه افترعها وخلى سبيلها ، فخرجت إلى قومها في دمائها وقد شقت درعها من قبل ودبر والدم يبين وهي في أقبح منظر تقول :
لا أحد أذل من جديس     أهكذا يفعل بالعروس 
يرضى بذا يا قوم بعل حر     أهدى وقد أعطى وسيق المهر


وقالت أيضا لتحرض قومها :
أيجمل ما يؤتى إلى فتياتكم     وأنتم رجال فيكم عدد النمل 
وتصبح تمشي في الدماء عفيرة جهارا     وزفت في النساء إلى بعل 
ولو أننا كنا رجالا وكنتم     نساء لكنا لا نقر بذا الفعل 
فموتوا كراما أو أميتوا عدوكم     ودبوا لنار الحرب بالحطب الجزل 
وإلا فخلوا بطنها وتحملوا     إلى بلد قفر وموتوا من الهزل 
فللبين خير من مقام على الأذى     وللموت خير من مقام على الذل 
وإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه فكونوا     نساء لا تعاب من الكحل 


[ ص: 323 ] ودونكم طيب النساء فإنما خلقتم     لأثواب العروس وللغسل 
فبعدا وسحقا للذي ليس دافعا     ويختال يمشي بيننا مشية الفحل


فلما سمع أخوها الأسود قولها ، وكان سيدا مطاعا ، قال لقومه : يا معشر جديس إن هؤلاء القوم ليسوا بأعز منكم في داركم إلا بملك صاحبهم علينا وعليهم ، ولولا عجزنا لما كان له فضل علينا ، ولو امتنعنا لانتصفنا منه ، فأطيعوني فيما آمركم فإنه عز الدهر .

وقد حمي جديس لما سمعوا من قولها فقالوا : نطيعك ولكن القوم أكثر منا ! قال : فإني أصنع للملك طعاما وأدعوه وأهله إليه ، فإذا جاءوا يرفلون في الحلل أخذنا سيوفنا وقتلناهم . فقالوا : افعل . فصنع طعاما فأكثر وجعله بظاهر البلد ودفن هو وقومه سيوفهم في الرمل ودعا الملك وقومه ، فجاءوا يرفلون في حللهم ، فلما أخذوا مجالسهم ومدوا أيديهم يأكلون ، أخذت جديس سيوفهم من الرمل وقتلوهم وقتلوا ملكهم وقتلوا بعد ذلك السفلة .

ثم إن بقية طسم قصدوا حسان بن تبع ملك اليمن فاستنصروه ، فسار إلى اليمامة ، فلما كان منها على مسيرة ثلاث قال له بعضهم : إن لي أختا متزوجة من جديس يقال لها اليمامة تبصر الراكب من مسيرة ثلاث ، وإني أخاف أن تنذر القوم بك ، فمر أصحابك فليقطع كل رجل منهم شجرة فليجعلها أمامه .

فأمرهم حسان بذلك ، فنظرت اليمامة فأبصرتهم فقالت لجديس : لقد سارت إليكم حمير . قالوا : وما ترين ؟ قالت : أرى رجلا في شجرة معه كتف يتعرقها أو نعل يخصفها ، وكان كذلك ، فكذبوها ، فصبحهم حسان فأبادهم ، وأتي حسان باليمامة ففقأ عينها ، فإذا فيها عروق سود ، فقال : ما هذا ؟ قالت : حجر أسود كنت أكتحل به يقال له الإثمد ، وكانت أول من اكتحل به . وبهذه اليمامة سميت اليمامة ، وقد أكثر الشعراء ذكرها في أشعارهم .

ولما هلكت جديس هرب الأسود قاتل عمليق إلى جبلي طيء فأقام بهما ، ذلك قبل أن تنزلهما طيء ، وكانت طيء تنزل الجرف من اليمن ، وهو الآن لمراد وهمدان . وكان يأتي إلى طيء بعير أزمان الخريف عظيم السمن ويعود عنهم ، ولم يعلموا من أين يأتي ، ثم إنهم اتبعوه يسيرون بسيره حتى هبط بهم على أجأ وسلمى جبلي طيء ، وهما بقرب فيد ، فرأوا فيهما النخل والمراعي الكثيرة ورأوا الأسود بن عفار ، فقتلوه ، وأقامت طيء بالجبلين بعده ، فهم هناك إلى الآن ، وهذا أول مخرجهم إليهما .

الأحد، 6 نوفمبر 2016

وقعات العرب

أيام العرب
.
أيام العرب هي وقائع العرب قبل الإسلام، تناول الإخباريون والعامة أيام العرب من الناحية مكارم الأخلاق والملاحم والبطولات والنواحي الأدبية من شعر ونثر أكثر من كونها وثائق عسكرية.


المحاربون

التنشأة القتالية للأفراد تبدأ بولادة الصبي فمنهم من يعطون أسماء ذات هيبة ووقع في النفوس لردع العدو، ويتم تجهيز صندوق للمولود به "لامة الحرب" وهي لباس الحرب وعدة القتال من سيف ودرع ملبوس، عمامة الحرب تكون عادة حمراء أو سوداء[1]. ويتم تدريب الأبناء على الفروسية والرماية والمضاربة بالسلاح، ويتم زرع الحمية وقيم الإباء ورفض الذل. تعتبر القوة القبلية هي نواة الجيوش الجاهلية أفرادها هم أبناء المجتمع، فعلى كل راشد قادر على حمل السلاح القتال سواء من أبناء المدن أو البادية، ومن يثبت نفسه في الحروب ينال مكانة عالية وتقديرا في المجتمع ويعتبر "بطلا" وينال القابا تشريفية، وعادة ما يكون البطل فردا شجاعا ضخم البنية متمرس في القتال، ولو اجتمعت به كذلك القدرة الأدبية الشعرية حاز شهرة بين كل العرب.

الركبان

* الهجانة: هم راكبوا الهجن كما أن وضع الرماحين على الهجن يعتبر وضعا آمنا محصنا خصوصا في حالات الهجوم.
* الفرسان: يعد الحصان العربي الأفضل عالميا لصلابته ولياقته الاستثنائية في القفز والجري واهتم العرب بالخيل حتى جعلوا لها نسبا كنسب البشر، وألفوها حتى تفاهموا معها بالإشارة، ولم يكن اهتمامهم بشيء من الحيوان أشد من أهتمامهم بالخيل، وكان من تمرسهم فنون الفروسية أن الرجل منهم كان يركب على ظهر الحصان بقفزة واحدة ويميل من فرسه الذي يعدوا فيلتقط السلاح وغيرها من الأرض.
* أشهر الخيول[2]:
* العصا, لـجذيمة الأبرش
* داحس، لـقيس بن زهير
* الغبراء، لـحذيفة بن بدر
* الأبجر، لـعنترة بن شداد
* النعامة، للحارث بن عباد
* النحّام، للسليك بن السلكة
* اليحموم، للنعمان بن المنذر
* المشهر، للمهلهل بن ربيعة
* اللطيم، لـربيعة بن مكدم
* ناتل، لـربيعة بن مالك
* الشمطاء، لـدريد بن الصمة
* الوحيف، لـعامر بن الطفيل
* جزة، لـيزيد بن سنان
* الكاملة، لـعمرو بن معد يكرب
* نسيمة لعروة القزويني

القوات الآشورية تقاتل القيداريين. يتسلح الهجانة القيداريون بالرماح والقسي، والمشاة منهم بالسيوف القصيرة.

التشكيلة

التشكيلة الهجومية الحميرية (أعلى)، وتشكيلة وضع الدفاع (أسفل).
تتكون جيوش السبئيين والحميريين والمناذرة من كتائب منها قوات الملك من أهل مدنه ومملكته يتولاها قادته العسكريين وتضم أيضا كتائب من القبائل التابعة لتلك المملكة والتي تعترف بسلطانها عليها كما هو حال "معد" مع المناذرة و"مذحج" مع الحميريين وقد تضم عبيدا ومرتزقة في وقت الحاجة لهم. تتميز الجيوش العربية قبل الإسلام بأنها حروب ركبان، عمادها هم الفرسان وقد يشترك معهم الهجانة، وتقل أو تنعدم مشاركة المشاة في الحروب، فكانت حروبهم من نوع المسمى "الحروب الخاطفة".
* الرماح: من أشهرها الرماح الخطية.
* الحراب: تشبه الرماح لكنها أقصر ومخصصة للرمي.
* القسي: صنعوها من خشب "الشريان"[3] و"الشوحط" و"السدر" و"الحماط"، وقد استعمل الجاهليون -بالإضافة للقوس العادي- القوس الطويل[4]، والقوس المركب[5] الذي يحتمل أن العرب هم أول من استخدمه[6].
* المغفر: حلق يجعلها المقاتل على رأسه فتبلغ الدرع ثم تلبس البيضة فوقها فتستر العنق وما حوله من ضرب السيوف.
* السيوف: أجود أنواعها في الجاهلية اليمانية والمشرفية والقلعية والحارية.
* الفؤوس: منها الفأس الدلمونية حازت شهرة في العالم القديم[7].
* الخناجر: هي سكاكين عريضة حدها معقوف، والأدلة الأثرية في الجزيرة العربية تقول بظهورها في بداية الألفية الثالثة ق.م، ثم ظهور الرماح في نهاية تلك الألفية، وتبعهم ظهور السيوف في بداية أو منتصف الألفية الثانية ق.م[8].
* الدروع
* التروس
* النثرة: الدرع الحديدي الذي يلبس تحت الثياب في الحرب.
* الجوشن: درع من حديد مشبك يلبس فوق الثياب ويحمي الجهة الأمامية من الجسم.
* المقاليع: هي اداة بسيطة لرمي الحجارة، ذكر سترابون استخدامها عند العرب[9].

التكتيك
عدل
وهناك حروب تقوم على التكتيك العسكري والخدعة كـ"يوم طفخة" حيث دبر بنو يروع كمينا لقوات المناذرة التي كانت متجهة لديارهم، فتحصنوا على مدخل ضيق بين جبلين هو المنفذ الوحيد لبلادهم وعندما مرت به قوات المناذرة رموهم بالنبل وأرسلوا عليهم أنعامهم مما أحدث إرباكا في صفوف المناذرة استغل لمهاجمتهم ودحرهم وأسر القائد
ويكون للماء الفضل الأكبر في النصر وكسب الحرب. لما له من شأن خاص في البوادي. لذلك كان يحسب له سادات القبائل الذين يقودون قبائلهم في القتال والغزو حسابًا كبيرًا، فيحملون معهم مقادير كبيرة منه تكفيهم المدة التي يقدرونها للقتال، أو يحاولون استباق عدوهم إلى مواضع الماء للسيطرة عليها، فإذا جاء العدو حرم الماء واضطر إلى استهلاك ما يحمله منه وقد يؤدي نفاده إلى هزيمته وفراره.

الوقائع
عدل
الوقائع في الجاهلية هي أعمال قتالية وهي على عدة أنواع، وعلى أن النزاعات أمر لابد منه في كل الأمم ولكن غياب حكومة مركزية للعرب هو سبب رئيسي لحدوث هذه المعارك بهذه الكثرة، للحروب أسباب عديدة وعادة ما يتناسب الفعل العسكري مع المسبب له، هي:
* 1. النزال: يتم النزال ببروز أبطال الجانبين فردا فردا أو مثنى مثنى، والطرف الذي يهزم أبطاله أبطال الطرف الآخر هو المنتصر ولا يستدعي ذلك سقوط قتلى من الجانبين بل يكفي انسحاب أحدهم، وتكون أسباب هذا النوع من المعارك بسيطة كتوسع شجار بين أفراد من قبيلتين فيستنجد وينتخي كل فرد بعزوته وعشيرته أو يكون السبب هو الانتقام لإهانة أو مقتل أبناء إحدى القبيلتين على يد فرد من القبيلة الأخرى، ويتم الاكتفاء بنزال الأبطال في أغلب الحالات ولكن في حال رفض أحد الأطراف تقبل الهزيمة في النزال تتحول المعركة إلى أحد النوعين الآخرين من المعارك أو يتم تبادل الغارات.
* 2. المناوشات: هي تحرشات يقوم بها أفراد من الجيش المهاجم هدفها تخريب صفوف الجيش المقابل عبر إيقاع إصابات بجنوده أو استفزاز بعض المتصدين لمطاردة الفرد المهاجم فبالتالي تكوين ثغرات في الصفوف أو أن يستفز المتصدين فيبدؤن بالهجوم قبل الأوان على غير نظام; وذلك يصب في مصلحة المهاجم حيث يمكنه حينها بدء هجومه بتشكيلته المتراصة المنظمة فيهاجم شراذم جيش عدوه ويفتك بهم. وبالنسبة لكثير من الجيوش المهاجمة في الجاهلية فإن المناوشات -بحد ذاتها- تعتبر هدفا غير معلن ينسحب الجيش المهاجم بعدها بعد أن يكون قد أثبت موقفه وبين شجاعة مقاتليه، أو أن يكون المهاجم قد قتل أثناء المناوشات عددا من أعدائه بما يساوي من قتل منه في اعتداء سابق أو معركة سابقة مع نفس العدو، فيكون الثأر قد انتهى بذلك، ويكون قد حقق أهدافه بأقل الخسائر. بينما لا تكون المناوشات عند الجيوش الكبيرة التي عقدت عزمها على القتال سوى مرحلة سابقة للالتحام، ولا يعني ثبات العدو في صفوفه الكثير، لأن جيوش المهاجمة من هذا النوع لها «فرسان ثقيلة» التي تتقدم جيشه والتي تستطيع اختراق صفوف الجيش المدافع، وليس بيد المدافع سوى تشكيل حائط من الرماحين كي يحاولوا صد هذا النوع الخطير من الفرسان.....عزم عدم عزم المكان للدفاع....تختلف طبيعة المناوشات بحسب طبيعة .....الجيوش عند علم المدافعين بقرب وصول المهاجمين يقومون بتشكيل صفين على هيئة "هلال"، وهذه التشكيلة صعبة الاختراق لتلاصق صفي الدفاع، يحتوي الصف الثاني على الفتيان قليلي الخبرة والضعاف، حيث أن الخطر لوجودهم في ذلك الصف أقل وتكون فائدتهم هي لسد الفرج بين صفوف الصف الأول ومنع استغلال الثغرات في الصفوف والتشكيلة الهلالية تشكل خطرا على المهاجمين حيث يمكن للمدافع ان يحصرهم في الوسط ثم يطبق عليهم. وعند تقابل الجيشين الخصمين تكون أسنة الرماح معكوسة لا تتجه نحو الخصم تاركين المجال لتفاهم كبراء الجانبين، فإذا لم يكن هناك إلا الحرب تعصى (تعكس) أطراف أسنة الرماح نحو العدو، يقول زهير بن ابي سلمى:
وَمَنْ يَعْصِ أَطْرَافَ الزِّجَاجِ فَإِنَّهُ

مُطِيعُ العَوَالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ
ويبدأ أبطال المهاجمين ب"الارتجاز" ثم يكر الأبطال على صفوف أعدائهم المدافعين وهي عملية استفزازية حتى لو يلحقوا اضرارا بالطرف الآخر ولو نجح استفزازهم فقد ينكسر صف المدافعين عبر مطاردتهم للأفراد المهاجمين وينتج عن ذلك تفرق صفوف المدافع مما يجعلهم في وضع حرج فتبدأ صفوف المهاجمين في التحرك للقضاء عليهم. ولو لم يتم استفزاز المدافع، واستطاع الثبات يكون قد نجح بالدفاع خصوصا إذا لم يقع أي قتلى من جانبه، كانت وصية أكثم بن صيفي عندما بلغ قومه أن مذحجاً وأحلافهم عازمون على غزوهم: (...الثبات أفضل من القوة، أهنأ الظفر كثرة الأسرى، وخير الغنيمة المال...)، من أسباب هذا النوع من المعارك هو للانتقام لمقتل أحد أفراد القبيلة على يد من القبيلة الأخرى ويعتبر قتلهم لعدد من المدافعين مساويا أو أكبر من قتلاهم هو انتصار لهم، أو حتى الرغبة في إجلاء المدافعين عن أرضهم.
* 3. الغارات: الغارات هي هجمات مباغته بنظام الكر والفر، ولا يشترط في الغارات وفي الغزو نظام معين فكانوا يتبعون طريقة المباغتة والهجوم من كل جانب يمكن الهجوم منه......، ويقال للمباغتة ولأخذ العدو بصورة مفاجئة: "بحض" في لغة المسند[10]. ويعبر عن الحملة، أي: عن الجماعة من الجيش تزحف على عدو بـ"برث" في المسند[11]. أما في حروب القبائل وغزو بعضها بعضًا، فتكون المباغتة هي الأساس في الحرب، وتقوم على مهاجمة العدو بغتة ومفاجأة وهو في عقر داره أو في الموضع المتجمع فيه. وتتوقف المباغتة على حساب القائد وعلى حنكته في تقديره موقف عدوه..... كما هناك غارات النهب وفيها يتم الهجوم على حين غرة وقد تنحصر بسرقة أنعام الطرف الآخر وقد يتم الهجوم كذلك على دياهم كذلك لسرقة ما خف وزنه وغلا ثمنه كالأموال وحلي النساء أو حتى غيرها، يقوم بهذا الضرب من الهجمات الصعاليك في الغالب إلا ان بعض القبائل قد تقبل عليه وبل قد يكون ذلك بشكل علني دون تخفي في حال استشعارهم ضعف وقلة حيلة الطرف الآخر وإمكانية نهبه بسهولة وبدون خسائر وعادة مايتم ذلك في وقت الفقر أو حتى لمجرد الطمع. ويعتبر ذلك عارا على المهاجمين ويعيرهم العرب بفعلهم، بل قد تكون هذه الفعلة الشنيعة مبررا لمن يريد مهاجمتهم في المستقبل. يتحدث أميانوس مرسيليانوس الذي عاش في القرن الرابع
* 4. الالتحام: وهذا الضرب من المعارك تكون أسبابه اعظم من غيره، ويعد بمثابة حرب حقيقية ويكون غالبا بين الدول الكبيرة كحروب السبئيين مع ممالك جنوب الجزيرة العربية الأخرى أو حروب الغساسنة والمناذرة أو حتى بين القبائل عندما تتطور الأمور وتكبر وتهدف تلك الحروب إلى احتلال جزء أو كل أراضي الطرف الآخر والقضاء عليه، وفي هذا النوع من الحروب يتم استخدام المشاة، ويتم استخدام كامل العدة العسكرية من سيوف وتروس ورماح ونبال، ويتم تنظيم تشكيلة الحربية; ترد لفظة "خمس" "خميس" في النقوش العربية الجنوبية بمعنى الجيش[12]، وترد في عربية القرآن الكريم كذلك; يقول علماء اللغة أن العرب سمت الجيش خميسًا وجمعها "خمس"؛ لأنه مكون من خمس فرق: المقدم والقلب والميمنة والميسرة والساقة[13]، وتسمى الميمنة والميسرة المجنبتان، مجنبة يمنى تهاجم أو تحمي الجانب الأيمن، ومجنبة يسرى تحارب وتدافع عن الجانب الأيسر من المحاربين. أما القلب، فيكون واجبه الهجوم أو الدفاع من وسط الجيش. وقد تقوم المجنبتان بالهجوم لتطويق العدو وحصره في دائرة، تضيق عليه. وفي معركة "يوم نخلة" من أيام الفجار، كان حرب بن أمية في القلب، وعبد الله بن جدعان وهشام بن المغيرة في المجنبتين[14]. وأعقد التشكيلات الحربية هي "التشكيلة الهجومية الحميرية" وتتركب من ثلاثة عشر فرقة بخلاف الكشافة....،. توضع أمام الجيش أو المحاربين مقدمة، تتقدم المقاتلين، يكون واجبها حماية القسم الأكبر من الجيش الذي يكون وراءها، وإرسال المعلومات عن العدو وإشغاله بالقتال إن وقع حتى يأتي المحاربون. ويقال للمقدمة: "مقدمت"، أي: "مقدمة" في السبئية[15]. ويدعى يتولى أمرها ويقودها: "قدم"[16]. ويقال لطليعة الجيش، وهي التي تتقدم الجيش، للقاء العدو وللوقوف على أمره وخبره "نذيرة الجيش"[17]. ويقال للقطعة من الجيش تمرّ قدّام الجيش الكبير "منسرت" "منسرة" في السبئية، ويراد بها "المنسر" في عربيتنا. ويتم وضع الرماحين في الصفوف الأولى من الجيش،،، ويكون عدد القتلى في هذا النوع ضخم، لاسيما إذا تعقب المنتصر فلول الجيش المنهزم.
والنوعان الأولان هما أكثر أنواع المعارك انتشارا في الجاهلية ويعتبران من "الحروب استعراضية" التي تهدف إلى إثبات القوة والردع، ولا يستلزمان سقوط عدد كبير من القتلى في الجانبين، وحتى هذان النوع من المعارك قد يتحول إلى إلى اشتباك مباشر وحروب إبادة خصوصا في حالة تعنت أحد الأطراف ورفضه الهزيمة أو إسراف الطرف المنتصر في القتل للجانب الآخر فيدخل الجانبين في حلقة لا منتهية من الثارات كما هو الحال في حرب بني أصفهان التي دامت سبعا و سبعين سنة ، حرب البسوس وداحس والغبراء اللتين استمرت كل منهما أربعين سنة.
حروب العرب قبل الإسلام
الحرب
المتحاربون
الأسباب / ملاحظات
النتيجة
العرب X العرب
البسوس
بكر/تغلب

الصلح
الفجار
قريش وكنانة/غطفان وهوازن

الصلح
طسم وجديس
طسم/جديس

إبادة جديس ثم طسم
داحس والغبراء
عبس/ذبيان

الصلح
يوم حليمة
المناذرة/الغساسنة
مقتل الملك المنذر بن ماء السماء (554)م، واستمرار التوتر.
انتصار الغساسنة

العرب X غير العرب
ذي قار
شيبان وبكر/الفرس الساسانيون
انتقاما لقتل النعمان بن المنذر، وحماية لعائلته.
انتصار العرب

شهرزور
الحضر/الفرس الساسانيون
محاولة ملك الفرس أردشير الأول احتلال الحضر في (232م).
انتصار العرب

حملة أذينة
تدمر/الفرس الساسانيون
انتقاما لهزيمة حلفائه الرومان، هزم جيش الفرس ثم حاصر عاصمتهم المدائن (266م).
انتصار العرب

ثورة زنوبيا
تدمر/الرومان
في المرحلة الأولى تكونت الإمبراطورية التدمرية، في المرحلة الثانية سقطت تدمر.
انتصار العرب

ثورة ماوية
تنوخ/الرومان
في المرحلة الأولى تم انتزاع عدد من المناطق من الرومان، وفي الثانية تم الصلح.
انتصار العرب

الجمعة، 4 نوفمبر 2016

معركة سلوت

تعتبر معركة سلوت مفخرة من مفاخر التاريخ العسكري العربي، وهو اول انتصار عربي على الفرس فهو في القرن الاول ميلادي قبل معركة ذي قار بـ400 عام وحسبنا أنها لم تقتصر على نحت أروع ملحمة في سجل تاريخ عمان فحسب، بل شكلت منعطفا هاما في مسار التاريخ العماني، ذلك أن النصر الذي تحقق في هذه المعركة الحاسمة أسفر عن تحرير عمان من الهيمنة الفارسية، وأعطى لهويتها العربية بعدا جديدا.

والورقة التالية لا تسعي إلى سرد تفاصيل أحداث هذه المعركة وجزئياتها لأنها معروفة ومتداولة في جل المراجع التاريخية التي تناولتها إسهاب، بل تهدف في المقام الأول إلى تحليل العوامل التي كانت وراء الانتصار الذي حققه الجنود العمانيون.

وعلى محك هذه الرؤية، ومن خلال تحليل كافة الوقائع والأحداث كما وردت في كتاب (تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان) للمؤرخ العماني الشيخ نور الدين السالمي الذي اعتمد على مختلف الروايات والنصوص الواردة في المصادر التاريخية العمانية[2]، يتبين أن مجموعة من العوامل تضافرت لتحقيق ذلك الانتصار المؤزر، يمكن حصرها فيما يلي:

1- القيادة الواعية والشجاعة

يجمع الدارسون على أن أسباب النصر في المعارك لا تعزى إلى التفوق في التسلح ووفرة العدة والعتاد فحسب - رغم ما لذلك من أثر في تحديد مصيرها - بل تعود كذلك إلى القيادة الواعية والشجاعة. ولا تعوزنا الأدلة المتعددة والمتنوعة للبرهنة على صحة هذه المقولة في التاريخ الإنساني: فكثيرة هي الحروب التي استطاعت الفئة الصغيرة أن تحقق الغلبة على الفئة الكبيرة، ويكفي التذكير في هذا الصدد بمعركة بدر الكبرى وغزوة الأ حزاب [3]وملحمة حطين[4] والقائمة تطول. ومعظم الانتصارات التي سجلها تاريخ الإنسانية تؤكد أهمية عنصر القيادة، فبقدر ما تكون هذه الأخيرة على وعي وادراك بخبايا الحروب، مع مسحة من الجرأة والشجاعة، بقدر ما كان ذلك صمام أمن من أية هزيمة محتملة. ولعل نموذج الرسول محمد وصلاح الدين الأيوبي في التاريخ الإسلامي وهانيبال والأسكندر المقدوني ونابليون وغيرهم من القادة العسكريين العظماء في التاريخ الأوروبي خير دليل على ما نذهب اليه.

من هذه القواعد والتجارب التاريخية، يمكن تفسير الانتصار الساحق الذي حققه الأزد العمانيون في معركة سلوت تحت قيادتهم الشجاعة المتمثلة في مالك بن فهم. ولا غرر فإن المصادر تجمع على بأسه وشجاعته حيث كان يتقدم الصفوف الأولى في الحروب بجرأة نادرة وبسالة ذكرها المؤرخون بإعجاب. وكدليل على ذلك تذكر الروايات المتواترة أنه قبل بدء معركة سلوت، تقدم اليه أربعة قادة من أكابر المرازبة والأساروة الفرس (ممن كان يعد الرجل منهم عن ألف رجـل) [5]. وطلبوا منه أن يتقدم اليهم للمبارزة واحدا تلو الأخر، فنهض اليهم بكل جرأة، وتمكن من حصد رؤوسهم جميعا الا الرابع الذي لم ينجه سوى الفرار بعد أن راعه هول قتل زملائه أمام بصره ليرتد مذعورا نحو صفوف الفرس.

وكان الأسلوب القتالي الذي اتبعه مالك بن فهم ينم عن تقنيات فريدة ومستوى عال من التدريب العسكري إذ كان على معرفة دقيقة بقواعد الطعان، وهو ما يفسر قول الشيخ السالمي ابان حديثه عن مواجهته للفارس الثاني من مرازبة الفرس الذين طلبوا منه المبارزة: (ثم حمل الفارس الثاني على مالك وضرب مالكا، فلم تصنع ضربته شيئا، فضربه مالك على مفرق رأسه).[6]، مما يدل على اتقانه لأسلوب الدفاع والهجوم فضلا عن ذلك كان مالك بن فهم يعرف كيف يمتص حماس العدو المهاجم عن طريق الحيلة والذكاء ليحول هجومه إلى اندحار، وهذا ما عبر عنه الشيخ السالمي أيضا ابان حديثه عن صراع مالك بن فهم مع حاكم الفرس - المرزبان - حين قال: (ثم ان المرزبان حمل على مالك بالسيف حملة الأسد الباسل، فراغ عنه مالك روغان الثعلب وعطف عليه بالسيف فضربه على مفرق رأسه). وكانت ضرباته من القوة والبأس ما جعل سيفه يخترق الدرع والبيضة التي كان يلبسها قادة الجيش الفارسي الذي واجههم عن طريق المبارزة الفردية. فعندما قاتل الفارس الثالث أفلح في ضربه على عاتقه فقسمه قسمين. بل انتهى السيف إلى الحصان الذي كان يركبه (فرمى به قطعتين) [7]وهذا تعبير يفسر مدى قوة ضربات مالك بن فهم ويعطي الدليل على شجاعته وبأسه.

وللدلالة على دور شجاعة مالك بن فهم في صنع انتصار معركة سلوت يكفي القول أن المبارزات الفردية التي سبقت المعركة والتي أظهرت فيها ضوربا من البسالة قد أرهبت العدو ومهدت لانتصار الأزد خاصة بعد انتصاره على المرزبان نفسه، فقد فت ذلك في عضد الفرس، في الوقت الذي رفع معنويات الجنود العمانيين، فانطلقوا يثخنون قتلا وأسرا في جنود الفرس ويطاردونهم يمينا وشمالا حتى اضطروا إلى الاستسلام، وهذا يدل على أن شجاعة القائد مالك بن فهم وجنوده كان لها أثر كبير في صنع هذا النصر[8].

2- التخطيط العسكري المحكم

لقد وعى مالك بن فهم وجنوده الأزد أن حربهم مع الفرس ليست حربا متكافئة، فلم يكن عددهم يتجاوز 8 آلاف مقاتل، بينما وصل عدد الجيش الفارسي إلى 30 أو 40 ألفا حسب اختلاف الروايات، فضلا عن تفوقهم في العدة والعتاد، ولعل هذا ما جعل الفرس يحتقرون مالكا وقومه، فقابلوا طلبه بمنحه أرضا من عمان ليستقر بها بكثير من المهانة والازدراء، بل قادتهم عجرفتهم واعتدادهم بالجيش والأموال إلى رفض أي صيغة من صيغ التعايش معه، لذلك كان على مالك بن فهم أن يعتمد على التخطيط المنظم والبحث عن أفضل الاستراتيجيات العسكرية رغم ضعف العتاد والقوة البشرية لذلك بدأ تنظيمه من خلال الخطوات التالية التي تضمن له الانتصار:

1- تأمين قاعدة عسكرية خلفية وحماية من لا يستطيعون المشاركة في الحرب:

فمنذ هجرته إلى أرض عمان، كان مالك بن فهم يدرك أن معركته مع الفرس أمر لا مفر منه، لذلك بمجرد نزوله في قلهات، بدأ في العمليات الأولية فترك النساء والأطفال والمؤونة في موضع قلهات بشط عمان، ولم يرد أن يزج بهم في هذه المعركة لان ذلك قد يشكل دافعا يشجع الفرس على الاستيلاء على غنائمهم وسبي نسائهم وعيالهم، بل فضل أن يجنبهم ويلات الحرب وترك معهم حامية تقوم بالسهر على أمنهم، وتكون قاعدة خلفية يمكن الرجوع إليها في حالة الهزيمة، وهذه خطوات وقائية تأمينية لا يتبناها إلا القادة المتمرسون في شؤون الحرب.

2 - اجراء التدابير والاستعدادات الأولية اللازمة:

أدرك مالك بن فهم - بحكم خبرته في شؤون الحرب - أن جنوده يحتاجون قبل بداية المعركة إلى قسط من الراحة، لذلك أقام بناحية الجوف مدة لم تحددها المصادر. ويغلب على الظن أنها دامت عدة أيام، بعيدا عن عيون الفرس بدليل أنهم بنوا خلال هذه المدة فلجا بأمر من قائدهم عرف باسم فلج مالك، ولا يمكن أن نتصور أن بناء الفلج استغرق مدة قصيرة. وبناء الفلج في حد ذاته يحمل مغزى عسكريا لا يدركه الا الراسخون في أمور الحرب، ذلك أن الجيش يحتاج إلى الماء مصدر الحياة، وتلك حقيقة لم تغب عن مالك بن فهم. ولا يخامرنا شك في أن توفير الماء والراحة للجنود الأزد قبل بداية المعركة ساهم بنصيب وافر في صنع الانتصار.

3- ملاءمة موقع المعركة:

لا جدال في أن الموقع يؤثر دوما على أحداث التاريخ. ومن هذا المنظور لا نتردد في القول بأن الموقع ساهم بدوره في انتصار الأزد العمانيين، فموضع سلوت الذي وقعت فيه المعركة عبارة عن صحراء والصحراء هي المكان الملائم الذي اعتاد العرب على خوض الحروب فيه، فطبيعتها القاسية كانت من الأمور المألوفة لدى الأزد، بينما كان هذا المجال من البيئة يعاكس الجيش الفارسي الذي اعتاد على المناطق الأقل حرارة، ولم تكن لديهم الخبرة في حروب البيئة الصحراوية، لذلك سرعان ما أخذ بهم التعب والإجهاد كل مأخذ وانهارت معنوياتهم، مما ساهم في هزيمتهم.

4- التنظيم والتعبئة في صفوف الجيش:

قبل بداية المعركة اهتم مالك بن فهم بتسليح جيشه وتجهيزه أحسن تجهيز وتمكينه من السيوف والخيول والدروع وأكمة الحديد والبيض والجواشن. وكلها أسلحة هجومية ودفاعية أيضا تحسبا لأي طاريء، بعيدا عن الغرور والثقة العمياء، وكان هو شخصيا يلبس غلالة حمراء وعمامة صفراء.. ثم بدأ بتوزيع الجنود إلى كتائب، في جعل لكل كتيبة راية. وأخذ يمر عليها واحدة تلو الأخرى ليضع اللمسات الأخيرة، وهذا يدل على حرصه الدقيق على نجاح التعبئة في صفوف الجيش. ورغم أن المرزبان كان هو الآخر يقوم بتعبئة جيشه بالنفخ في الأبواق والضرب على الطبول اذكاء لحماسهم، فإن ذلك لم يجد نفعا لانهيار معنوياتهم وعدم وضوح الهدف الذي يقاتلون من أجله، إذ كانوا محتلين لأرض ليست أرضهم، لذلك لم تفلح الطبول في إذكاء الحمية التي تشحذ الهمم، على عكس الجيش العماني الذي كان جمرة متقدة من شدة الحماس للذوذ عن وطنه وأرضه التي اغتصبها الفرس، فكانت معنوياتهم مرتفعة إلى أقصى الحدود.

5- رصد أخبار العدو:

من خلال تتبع روايات المعركة يبدو أن مالك بن فهم كان يراقب العدو عن كثب، ويقف على أخباره أولا بأول، وهذا ما نستشفه من خلال الخبر الذي بلغه عن تجمع جيوش المرزبان بصحراء سلوت. ورغم أن المصادر لا تفصح عن كيفية بلوغ الخبر اليه، فالراجح أنه بث العيون لتتبع أخبار العدو ومراقبة سكناته وحركاته، لذلك لم يتمكن الفرس من إحداث عنصر المباغتة في المعركة. فلو حدث ذلك لكان فيه خسارة لجنود الأزد، لكن مالكا تفطن لذلك مما جعله مهيأ للمعركة، بل أنه فاجأ هو بنفسه الجيش الفارسي وفرض عليه الحرب في صحراء سلوت بدل قلهات.

6- رفع الروح المعنوية وزرع روح الحماس في جند عمان:

يعتبر التشجيع على القتال ورفع معنويات الجيش من المناهج النفسية لكسب المعركة قديما وحديثا. ولم تغب هذه الحقيقة عن مالك بن فهم إذ استعمل كل ما يملك من الوسائل المتاحة لرفع معنويات جيشه وزرع الثقة في مقدراتهم القتالية. وفي هذا السياق استعمل سلاح العرب الفعال وهو الخطبة. ومعلوم أن الخطبة لها وقع مؤثر على نفسية الجنود، ناهيك عن دورها في ايقاظ الهمم وكسب الثقة.

ويورد المؤرخ السالمي نص الخطبة التي ألقاها مالك بن فهم على كل كتيبة من كتائب الأزد، ومما جاء فيها: (يا معشر الأزد أهل النجدة والحفاظ، حاموا عن أحسابكم وذبوا عن مآثر آبائكم وقاتلوا وناصحوا ملككم وسلطانكم، فإنكم إن انكسرتم وهزمتم اتبعتكم العجم في كافة جنودكم، فاختطفوكم واصطادوكم من كل حجر ومدر)[9].

والواضح من هذا المقطع من الخطبة، أن مالكا استهدف ايقاظ الهمم وترسيخ الثقة في نفسية جنوده وابراز إمكانياتهم القتالية الهائلة، وهو ما يتجلى في وصفه لهم بأنهم (أهل النجدة والحفاظ). كما وظف بمهارته وفطنته مسألة النسب العربي لاذكاء الحمية العربية من خلال تصوير الحرب بأنها معركة مصير بين عرب وعجم. وفي الوقت ذاته حذر من عواقب الهزيمة، فبين لمخاطبيه أن الفرس لن يرحموهم إذا ما انتصروا عليهم، ومن ثم لا يبقى لجنود الأزد العمانيين سوى خيارين لا ثالث لهما: إما النصر واما الاستشهاد، فكان ذلك حافزا لجنوده على المزيد من الاستبسال في المعركة.

7 - استعمال أساليب قتالية مبتكرة للقضاء على تفوق العدو العسكري:

كان عنصر القوة الضاربة في الجيش الفارسي يتجل في استخدام الفيلة في حروبهم بيد أن مالك بن فهم عرف كيف يغير هذه المعادلة ليجعل نتيجتها عكسية تماما، فقد ابتكر أسلوبا جديدا لمواجهة الفيلة يقضي بضرب خراطيمها بالسيوف ورشق عيونها بالنبال، مما أدى إلى تراجعها مذعورة إلى الخلف، وأثناء ارتدادها كانت تطأ على أجساد الجنود الفرس، فتحولت بسبب ذلك من أداة للهجوم في ميدان الأعداء إلى أداة فناء وموت محقق لهم حيث قتل الآلاف منهم وتحولوا بهذه الطريقة البشعة إلى أكوام من الجثث. وهذا الأسلوب نفسه سيستعمله العرب المسلمون - فيما بعد - في حرب القادسية الشهيرة.

8- سرعة اتخاذ القرار الناحج واستغلال الفرص ابان المعركة:

عرف مالك بن فهم الأوقات المناسبة التي كان يتخذ فيها القرار الجريء لسير المعركة كما عرف كيف يستغل الفرص الملائمة لكسب المز يد من النصر، فعندما رأى هيجان الفيلة وتراجعها. أصدر قراره باكتساح قلب الجيش الفارسي وتطويق باقي الأجنحة، مما جعل الذعر والهلع يدب في الجيش الفارسي والاضطراب يتفشى في صفوفه، فاستغل جيش الأزد تلك الفرصة لاكتساحهم فأثخنوا فيهم قتلا وتشريدا. وعندما نجح مالك بن فهم في قتل المرزبان - وهو القائد الأعلى للجيش الفارسي - لم يترك هذه الفرصة تضيع لأن قتله أدى إلى احباط كبير وانهيار في معنويات الجيش الفارسي، فوجه أمره الفوري بالقيام بهجوم كاسح (فقتل منهم خلق كثير)[10]، وهكذا يتبين أن اتخاذ القرار السريع وفي اللحظة المناسبة أسفر عن هزيمة الفرس في هذه المعركة.

9- طاعة الجند العمائي ومحبتهم لقائدهم:

في ليلة المعركة أخذ مالك بن فهم يتفقد الكتائب العسكرية ويوجه إليها الأوامر الواجب اتباعها خلال القتال، فأمر قائد كل كتيبة أن يبقى جنوده في مكان مناسب عينه له، كما وجه أمره إلى ابنيه هناءة لقيادة ميمنة الجيش وفراهيد لقيادة شماله، بينما تولى هو شخصيا قيادة القلب المتكون من أشد الجنود تمرسا في الحروب.

وكانت كل أوامره تتلقى بالسمع والطاعة من طرف جنوده لثقتهم في قائدهم وصحبتهم له، ولم نعثر على نصوص تؤكد مخالفة أي كتيبة لأوامره التي كان يقررها بدون تردد ويتحمل فيها كامل المسؤولية، وكان جيشه ينفذها حرفيا دون تلكؤ. ولعل هذه الطاعة والمحبة المتبادلة بين الجند والقائد، كلها عوامل ساهمت في خلق شروط النصر.

10- الصبر والثبات في القتال:

أعطى جنود الأزد خلال معركة سلوت مثالا صارخا في الصبر والثبات، فلم تثنهم عزيمة الحرية والانعتاق عن ترك أبنائهم ونسائهم في قلهات، وتحمل الصبر على فراقهم من أجل طرد الفرس من عمان. وابان المعركة أبانوا عن صبر وجلد قل نظيره، ولا غرر فقد كانوا يقاتلون طوال النهار دون توقف، ولم يكن يحل بينهم وبين مواصلة القتال سوى الليل، واستمروا على هذه الوتيرة ثلاثة أيام حتى انبلج النصر. ولولا ثباتهم وصبرهم في المعركة رغم شراستها، ووقوفهم وجها لوجه أمام جيش مدجج بالسلاح، لما أمكن تحقيق هذا المكسب العسكري الهام.

11- التشبث بقيم المروءة والشرف:

ان الجانب الأخلاقي في الحروب يبقى من الشيم العربية الأصيلة، ولا شك أن هزيمة الفرس واستسلامهم وطلبهم الهدنة ترجع إلى ما لاحظوه في جند عمان وقائده من مروءة وشرف وحفاظ على العهود والمواثيق. فمالك بن فهم لم يبدأ الحرب ضدهم الا بعد أن يئس من أي حل سلمي معهم وذلك عندما حدت بهم غطرستهم إلى الامتناع كليا عن منحه موطيء قدم في أرض عمان رغم شساعتها[11]. وقد انتظر الأزد مدة طويلة ليقفوا على جواب المرزبان، وكان بالإمكان أن ينفد صبرهم ويدقوا طبول الحرب عليهم، لكنهم فضلوا التعامل بمستوى أخلاقي حضاري يقوم على مبدأ السلم والمهادنة، غير أن رفض الفرس لأي حل مرض فرض عليهم الدخول في هذه المعركة التي لم تكن بالنسبة لهم غاية في حد ذاتها وانما وسيلة.

نفس الشيء، يقال عن تعامل مالك بن فهم مع الفرس، بعد أن كبدهم هزيمة نكراء، فقد كان بإمكانه أن يبدد شملهم ويستأصل شأفتهم ويمزقهم شر ممزق، لكن مروءته أملت عليه ضرورة الكف عن أبادته، بل ذهب إلى حد عقد معاهدة سلمية معهم رغم أن ميزان القوى العسكري كان في صالحه. ناهيك عن تميز الجند العماني بحفظ المواثيق والعهود إذ لم يدخر وسعا في احترام الهدنة المعقودة مع الفرس لولا أن هؤلاء بأمر من امبراطورهم دارا بن دارا بن بهمن تنكروا لهذه الاتفاقية وأعلنوا الحرب مجددا ضد الازد في ديارهم، مما أسفر عن تجدد الصراع الذي انتهى بنصر عسكري نهائي لأزد عمان.

والخلاصة أن الانتصار المحقق في معركة سلوت لم يكن - كما أثبت التحليل - وليد الصدفة أو الحظ، بل جاء في سياق خطة مدروسة واستراتيجية حربية بعيدة العمق، وقيادة واعية متمرسة بشؤون الحرب، فضلا عن شجاعة وبسالة وأخلاق حضارية تميز بها جنود عمان الأشاوس.

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

عنترة بن شداد

عنترة بن شداد بن قراد العبسي (525 م - 608 م) هو أحد أشهر شعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام، وأشتهر بشعر الفروسية، وله معلقة مشهورة. وهو أشهر فرسان العرب، وشاعر المعلقات والمعروف بشعره الجميل وغزله العفيف بعبلة.

اسمه

اشتقاق اسم عنترة من ضرب الذباب يقال له العنتر وإن كانت النون فيه ليست بزائدة فهو من العَتْرِ والعَتْرُ الذبح والعنترة أيضاً هو السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب. وإن كان الأقدمون لا يعرفون بأيهما كان يدعى: بعنتر أم بعنترة فقد اختلفوا أيضاً في كونه اسماً له أو لقباً. وكان عنترة يلقب بالفلحاء، من الفلح أي شق في شفته السفلى وكان يكنى بأبي الفوارس لفروسيته ويكنى بأبي المعايش وأبي أوفى وأبي المغلس لجرأته في الغلس أو لسواده الذي هو كالغلس، وقد ورث ذاك السواد من أمه زبيبة، إذ كانت أمه حبشية وبسبب هذا السواد الكثيف عده القدماء من أغرب العرب.

درج بعض الرواة على تسمية عنترة باسم عنتر أحياناً، ولربما استناداً إلى ما سمعوه من قوله:

يدعُونَ عنترُ والرّماحُ كأنّها
أشطانُ بئر في لبَان الأدهمِ

وقوله في موضع ثان:

ولقَد شفَى نفسِي وأبرَأ سُقمها
قيل الفَوارس ويْك عنتر أقدمِ

وقد شرح الخطيب التبريزي البيت الأول بقوله: "ويروى عنتر-أي بالضم- فمن رواه بفتح الراء فإنه رخّم عنترة وترك ما قبل المحذوف على حاله مفتوحاً، ومن روى عنتر وضمّ الراء احتمل الوجهين: أحدهما أن يكون قد جعل مابقي اسماً على حاله إلّا أنه قد صار طرفاً كحرف الأعراب، والثاني مارواه المبرّد عن بعضهم أنه كان يسمى "عنتراً"، فعلى هذا الوجه لا يجوز إلا الضمّ، هكذا ذكره النحاس، ويجوز أن يكون عنتر على هذا الوجه منصوباً بـ"يدعون" ". ويذكر شارح القاموس أنه "قد يكون اسمه عنتراً كما ذهب إليه سيبويه". على أن المتواتر في الكتب المعتمدة وماعليه الكثيرون هو أن اسمه "عنترة" لا "عنتر" والعنترة السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب، وهذا أقرب إلى مسمى فارس بني عبس.[1]

مولده ونشأته

ولد عنترة في الربع الأول من القرن السادس الميلادي [2] ، وبالاستناد إلى أخباره، واشتراكه في حرب داحس والغبراء فقد حدّد ميلاده في سنة 525م. تعزّز هذه الأرقام تواتر الأخبار المتعلّقة بمعاصرته لكل من عمرو بن معدي كرب والحطيئة وكلاهما أدرك الإسلام[3].

أمه كانت أميرة حبشية يقال لها زبيبة ررغر، أُسرت في هجمة على قافلتها و أعجب بها شداد فأنجب منها عنترة، وكان لعنترة اخوة من أمه عبيد هم جرير وشيبوب. وكان هو عبداً أيضاً لأن العرب كانت لا تعترف ببني الإماء إلا إذا امتازوا على أكفائهم ببطولة أو شاعرية أو سوى ذلك[4].

نسبه

هو: عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة وقيل عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر.[5]
صفاته

وُلد عنترة لأب عربيّ وأمّ حبشيّة، فجاء مختلفاً عن بقية أقرانه في ضخامة خلقته وعبوس وجهه وتلفلف شعره وكبر شدقيه وصلابة عظامه وشدة منكبيه،وطول قامته، وشبه خلقته لأبيه شداد.[6]

حياته في العبودية

ذاق عنترة مرارة الحرمان وشظف العيش ومهانة الدار لأن أباه لم يستلحقه بنسبه، فقد كان أبوه هو سيده، يعاقبه أشد العقاب على مايقترفه من هنات، وكانت سمية زوجة أبيه تدس له عند أبيه وتحوك له المكائد، ومن ذلك أنها حرشت عليه أباه مرة، وقالت له: "إن عنترة يراودني عن نفسي". فغضب أبوه غضباً شديداً وعصفت برأسه حميته، فضربه ضرباً مبرحاً بالعصا وأتبعها بالسيف، ولكن سمية أدركتها الرحمة في النهاية فارتمت عليه باكية تمنع ضربات أبيه، فرقّ أبوه وكفّ عنه. فاعتبر عنترة بشعر يقول فيه[7]:

أمِــن سميـة دمع العين تذريـفُ
لو أن ذا منك قبل اليوم معروف
كأنها يــوم صــدّت مــاتكلمني
ظبي بعسفان ساجي الطرف مطـروف
تجلّلتني إذ أهــوى العصا قِبلي
كأنهـا صنــم يُعتــاد معكــوف
المــال مـالكم والعبد عبـدكم
فهــل عذابك عني اليـوم مصروف
تنسى بلائي إذا مـاغـارة لقحـت
تخرمنها الطـــوالات السـراعيف
يخرجن منها وقد بلّت رحــائلها
بالماء يركضها المُرد الغطاريف
قد أطعنُ الطعنة النجلاء عن عرضٍ
تصفر كــف أخيها وهــو منـزوف
لا شك للمـرء أن الـدهر ذو خلف
فيه تفــرّق ذو إلــف ومــألوف
استلحاقه بنسب أبيه

ذلك أن قبيلة طيء أغارت على عبس في ثأر لها، إذ سبق لقبيلة عبس أن غزتها واستاقت إبلها، وكان عنترة مع بني قومه في حومة النزال، ولكنه اشترك مدافعاً لا مهاجماً، وسبب ذلك ما روي أنه شارك من قبل في غزو طيء، ولكنهم بخسوه حقه في الغنائم، إذ فرضوا له نصيب العبد منها وهو النصف فأبى، ومن ثم تقاعس عن الخوض في المعركة. واشتد الخطب على بني عبس حتى كادت أن تُسلب خيراتها وتدور عليها الدوائر، وحينئذ صاح بعنترة أبوه قائلاً: "كُرّ ياعنترة!"، فأجاب عنترة على النداء: "لا يحسن العبد الكر الا الحلاب والصر". وفي تلك اللحظة لم يجد أبوه بدلاً من أن يمنحه اعتباره فصاح به: "كُرّ وأنت حر". فكرّ عنترة وراح يهاجم وهو ينشد:

أنا الهجين عنترة كل امرئ يحمي حرَه
أســودَه وأحمــرَه والشعرات المشعره
الواردات مـــشفــــره
وكان النصر لبني عبس فاحتفلت القبيلة بعنترة وكرمته[2].

عنترة وعبلة


صورة حديثة لصخرة في منطقة الجواء، السعودية حيث يقال بأن عنتر كان يقابل حبيبته عبلة
أحبّ عنترة ابنة عمه عبلة بنت مالك أعظم الحب وأشده، وكانت من أجمل نساء قومها وأبعدهم صيتاً في اكتمال العقل ونضرة الصبا، ويقال إنه كان من أقسى مايعيق هذا الحب صلف أبيها مالك وأنفة أخيها عمرو.

تقدم عنترة إلى عمه مالك يخطب ابنته عبلة، ولكنه رفض أن يزوج ابنته من رجل أسود. ويقال: إنه طلب منه تعجيزاً له وسداً للسبل في وجهه ألف ناقة من نوق النعمان المعروفة بالعصافير مهراً لإبنته، ويقال: إن عنترة خرج في طلب عصافير النعمان حتى يظفر بعبلة، وإنه لقي في سبيلها أهوالاً جساماً، ووقع في الأسر، ثم تحقق حلمه في النهاية وعاد إلى قبيلته ومعه مهر عبلة ألفاً من عصافير الملك النعمان. ولكن عمه عاد يماطله ويكلفه من أمره شططاً، ثم فكر في أن يتخلص منه، فعرض ابنته على فرسان القبائل على أن يكون المهر رأس عنترة.

ثم تكون النهاية التي أغفلتها المصادر القديمة وتركت الباحثين عنها يختلفون حولها، فمنهم من يرى أن عنترة فاز بعبلة وتزوجها، ومنهم من يرى أنه لم يتزوجها، وإنما ظفر بها فارس آخر من فرسان العرب[8].

وقد سكتت المصادر العربية عن ذكر عبلة إلا في مجال تشبيب عنترة بها وحبه لها، فلم تنوّه عما إذا كان قد تزوج بها أم بقي حبه معلقاً. حيث ذهب البعض إلى القول بأن عنترة لم يتزوج عبلة، بل تبتل في حبها، وأن أباها وأخاها منعاه من زواجها، وأنها زوجت أحد أشراف قومها على رغم عنترة. وقد قاس أصحاب هذا الرأي قولهم هذا قياساً على عادة العرب من منعها بناتها أن يزففن إلى من يشبب بهن قبل الزواج.

ويميل البعض إلى الرأي القائل أن عنترة تزوج عبلة لعوامل وأسباب، منها أنه قد استحلق بنسب أبيه فزالت عنه هجنة النسب وأصبح ابن عم لعبلة، ثم إنه كان من أشهر فرسان قبيلة بني عبس بل فارس من فرسان العرب، وقوته وفروسيته مما لا يغفله من حسابه من يريد زواج عبلة، إذ إنه سيتعرض لانتقام عنترة وثأره لكرامته[7].

وفاته

انتهت حياة عنترة بعد أن بلغ من العمر تسعون عاماً تقريباً، فقد كانت حياته منحصرة بين سنتي 525 و615 ميلادية، وذكر الزركلي في الأعلام أن وفاته كانت في عام 600 ميلادية، وهو مايوازي العام الثاني والعشرين قبل الهجرة[7].

وذكر في نهاية عنترة روايات عدة، على أن الرواية المتداولة والمرجّحة هي رواية صاحب الأغاني بقوله أن عنترة أغار على بني نبهان من طيء فطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول: آثار ظُلمان بقاعٍ محربٍ.

قال: وكان زرّ (وقيل وزر) بن جابر النبهاني في فتوّة، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه (أي ظهره)، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح:

وإنّ ابن سلمى عنده فاعلموا دمي
وهيهات لا يُرجى ابن سلمى ولا دمي
يحلّ بأكناف الشعاب وينتمي
مكان الثريّا ليس بالمتهضّم
رماني ولم يدهش بأزرق لهذمٍ
عشيّة حلّوا بين نعفٍ ومخرمٍ
قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقّب بالأسد الرهيص الطائي.[9]

معلقته
معلقة عنترة بن شداد، هي إحدى معلقات الشعر، نظمها عنترة بعد أن عايره رجل بأنه لا يقول الشعر وأنه عبد أسود، وذكر محبوبته عبلة. تحتوي هذه المعلقة على 75 بيتا.

‎نص المعلقة

‎هل غادر الشعراء من متردم
‎أم هل عرفت الدار بعد توهم
‎يا دار عبلة بالجواء تكلمي
‎و عمي صباحاً دار عبلة و اسلمي
‎فوقفت فيها ناقتي و كأنها
‎فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
‎و تحل عبلة بالجواء و أهلنا
‎بالحزن فالصمان فالمتثلم
‎حييت من طللٍ تقادم عهده
‎أقوى و أقفر بعد أم الهيثم
‎حلت بأرض الزائرين فأصبحت
‎عسراً علي طلابك ابنة محرمٍ
‎علقتها عرضاً و أقتل قومها
‎زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم
‎و لقد نزلت فلا تظني غيره
‎مني بمنزلة المحب المكرم
‎كيف المزار و قد تربع أهلها
‎بعنيزتين و أهلنا بالغيلم
‎إن كنت أزمعت الفراق فإنما
‎زمت ركابكم بليلٍ مظلم
‎ما راعني إلا حمولة أهلها
‎وسط الديار تسف حب الخمخم
‎فيها اثنتان و أربعون حلوبةً
‎سوداً كخافية الغراب الأسحم
‎إذ تستبيك بذي غروبٍ واضحٍ
‎عذبٍ مقبله لذيذ المطعم
‎و كأن فارة تاجرٍ بقسيمةٍ
‎سبقت عوارضها إليك من الفم
‎أو روضةً أنفاً تضمن نبتها
‎غيثٌ قليل الدمن ليس بمعلم
‎جادت عليه كل بكرٍ حرةٍ
‎فتركن كل قرارةٍ كالدرهم
‎سحاً و تسكاباً فكل عشيةٍ
‎يجري عليها الماء لم يتصرم
‎و خلا الذباب بها فليس ببارحٍ
‎غرداً كفعل الشارب المترنم
‎هزجاً يحك ذراعه بذراعه
‎قدح المكب على الزناد الأجذم
‎تمسي و تصبح فوق ظهر حشيةٍ
‎و أبيت فوق سراة أدهم ملجم
‎وحشيتي سرجٌ على عبل الشوى
‎نهدٍ مراكله نبيل المخرم
‎هل تبلغني دارها شدنيةٌ
‎لعنت بمحروم الشراب مصرم
‎خطارةٌ غب السرى زيافةٌ
‎تطس الإكام بوخد خفٍ ميتم
‎و كأنما تطس الإكام عشيةً
‎بقريب بين المنسمين مصلم
‎تأوي له قلص النعام كما أوت
‎حذقٌ يمانيةٌ لأعجم طمطم
‎يتبعن قلة رأسه و كأنه
‎حدجٌ على نعشٍ لهن مخيم
‎صعلٍ يعود بذي العشيرة بيضه
‎كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم
‎شربت بماء الدحرضين فأصبحت
‎زوراء تنفر عن حياض الديلم
‎وكأنما تنأى بجانب دفها الـ
‎ـوحشي من هزج العشي مؤوم
‎هرٍ جنيبٍ كلما عطفت له
‎غضبى اتقاها باليدين وبالفم
‎بركت على جنب الرداع كأنما
‎بركت على قصبٍ أجش مهضم
‎وكأن رباً أو كحيلاً معقداً
‎حش الوقود به جوانب قمقم
‎ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرةٍ
‎زيافةٍ مثل الفنيق المكدم
‎إن تغدفي دوني القناع فإنني
‎طبٌ بأخذ الفارس المستلئم
‎أثني علي بما علمت فإنني
‎سمحٌ مخالقتي إذا لم أظلم
‎وإذا ظلمت فإن ظلمي باسلٌ
‎مرٌ مذاقه كطعم العلقم
‎ولقد شربت من المدامة بعدما
‎ركد الهواجر بالمشوف المعلم
‎بزجاجةٍ صفراء ذات أسرةٍ
‎قرنت بأزهر في الشمال مفدم
‎فإذا شربت فإنني مستهلكٌ
‎مالي وعرضي وافرٌ لم يكلم
‎وإذا صحوت فما أقصر عن ندىً
‎وكما علمت شمائلي وتكرمي
‎وحليل غانيةٍ تركت مجدلاً
‎تمكو فريصته كشدقٍ الأعلم
‎سبقت له كفي بعاجل طعنةٍ
‎ورشاش نافذةٍ كلون العندم
‎هلا سألت الخيل يا بنة مالكٍ
‎إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
‎إذ لا أزال على رحالة سابحٍ
‎نهدٍ تعاوره الكماة مكلم
‎طوراً يجرد للطعان وتارةً
‎يأوي إلى حصد القسي عرمرم
‎يخبرك من شهد الوقيعة أنني
‎أغشى الوغى وأعف عند المغنم
‎ومدجج كره الكماة نزاله
‎لا ممعنٍ هرباً ولا مستسلم
‎جادت له كفي بعاجل طعنةٍ
‎بمثقفٍ صدق الكعوب مقوم
‎فشككت بالرمح الأصم ثيابه
‎ليس الكريم على القنا بمحرم
‎فتركته جزر السباع ينشنه
‎يقضمن حسن بنانه والمعصم
‎ومسك سابغةٍ هتكت فروجها
‎بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
‎ربذ يداه بالقداح إذا شتا
‎هتاك غايات التجار ملوم
‎لما رآني قد نزلت أريده
‎أبدى نواجذه لغير تبسم
‎عهدي به مد النهار كأنما
‎خضب البنان ورأسه بالعظلم
‎فطعنته بالرمح ثم علوته
‎بمهندٍ صافي الحديدة مخذم
‎بطلٍ كأن ثيابه في سرحةٍ
‎يحذى نعال السبت ليس بتوءم
‎يا شاة ما قنصٍ لمن حلت له
‎حرمت علي و ليتها لم تحرم
‎فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي
‎فتجسسي أخبارها لي و اعلم
‎قالت رأيت من الأعادي غرةً
‎و الشاة ممكنةٌ لمن هو مرتم
‎و كأنما التفتت بجيد جدايةٍ
‎رشأٍ من الغزلان حرٍ أرثم
‎نبئت عمراً غير شاكر نعمتي
‎و الكفر مخبثةٌ لنفس المنعم
‎و لقد حفظت وصاة عمي بالضحا
‎إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
‎في حومة الحرب التي لا تشتكي
‎غمراتها الأبطال غير تغمغم
‎إذ يتقون بي الأسنة لم أخم
‎عنها و لكني تضايق مقدمي
‎لما رأيت القوم أقبل جمعهم
‎يتذامرون كررت غير مذمم
‎يدعون عنتر و الرماح كأنها
‎أشطان بئرٍ في لبان الأدهم
‎ما زلت أرميهم بثغرة نحره
‎و لبانه حتى تسربل بالدم
‎فازور من وقع القنا بلبانه
‎و شكا إلي بعبرةٍ و تحمحم
‎لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
‎و لكان لو علم الكلام مكلمي
‎و لقد شفى نفسي و أبرأ سقمها
‎قبل الفوارس ويك عنتر أقدم
‎وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً
‎مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ
‎ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي
‎لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ
‎وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر
‎لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ
‎الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُما
‎وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي
‎إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُما
‎جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِا

الأحد، 9 أكتوبر 2016

معارك الزناتي خليفة مع بني هلال

‎خليفه بن بدير بن زنات بن صولات بن جديلان بن عبدالله بن الرحال بن شداد بن كعب بن معاوية الأخيل بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن

هو الحاكم الثالث لتونس بعد جده زنات وابوه بدير
وكان فارس شجاع يمتاز بالحكمة والعقل وهو الذي حارب التشيع بشمال افريقيا في القرن السابع هجريا


حربه مع الهلاليين:
‎جاء شعار الى الأمير حسن بن سرحان أمير بني هلال فمدحوه كما جرت العادة أعطاهم هدايا وكان من ضمن هذه الهدايا جارية تسمى مي فشكره على هذا الجمــــيل ثم ذهـــــبوا حتى وصلــــوا تونس ودخلوا على الزناتي ومدحوه فأحسن إليهم ثم باعوا تلك الجارية على سعداء بنت الزناتي وكانت بنت الزناتي من أجمل البنات تتصف بالإنس والمحاسن وتجالس الادباء وقد شاع ذكرها في جميع الأماكن (وكانت تسمى بالصفيرا) وفي ذات يــــــوم سألت تلك الجارية عن سبب وقوعها في أيدي أولئك القوم فأخبرتهم بالقصة وكيف أن الأمير حســـــــن أوهبها لهم على سبيل الهدية فقالت وهل يوجد مثلي بين نســــاء العــــرب فقالت الجــــارية انه يوجـــــد مـن يشبهك في الجمال والمكارم والشيم وهو الأمير مرعي ولد الأمير حسن أمير بني هلال فلما سمعت سعداء هذا الكلام تعلق قلبها بمرعي فقالت سعداء إذا كان كلامك هو حقيقي فأوصفية فأخذت مي توصفه لها شعرا وعندما أفرغت قالت سعــداء قومـــي بنا الى البســـــتان وانا اضرب هناك الرمل وانظـــــر أحوال من ذكرتي فقد تعلق قلبي بهم وضربت الرمل فتأكدت من ذلك وبين هما في الحديث إذا اقبل عليهم العلام ابن عم الزناتي ونائبة فسلم عليهم وكان مشهورا في ضرب الرمل فطلب منه أن يضرب الرمـل ويخــــــبرها بما يراه فكشف لها أخبار وان هؤلاء قادمون فطلبت منه أن يكتم ذلك فأجابها ووعدها بالمساعدة ثم ودعها وذهب الى الصيد .
‎أما أبو زيد الهلالي فقد وصل الى تونس ومعه مرعي ويحي يونس وكان ذلك في الظــــــلام فبــأتوا خــــــارج المدينة وفي اليوم التالي ذهبوا يتأملون في مبانيها وأبراجها وقلاعها وأنهارها الغزيرة وخيراتها الكثيرة وقاموا يتعرفون عليها ويتبصرون كيف يكون الهجوم عليها ثم دخلوا بستان واخذوا يأكلون من ثماره وفجأه اقبل عليهم فرسان ليقبضوا عليهم حيث أرسلهم الزناتي لما بلغة أمرهم من بعض الفرسان بأنهم في البستان فلما نظرا ابوزيد ذلك الفعل استعد للحرب والقتال وهجم عليهم فقتل منهم عدة رجال ولم يستطيعوا عليه فتكاثر عليه العساكر وأحاطوا بهم وقبضوا على مرعي ويحيى ويونس وقيدوهم ولم يقدروا على أبو زيد في الحرب والقتال فتقدم اليه العلام ابن عم الزناتي وقال له ماسبب مجيئكم الى هذه البلاد فقال أبو زيد نحن شعراء وعاداتنا نمدح الأمراء والزناتي قد شاع ذكره وكرمه فقصدناه وكان وصولنا مساء ولاننا لانعرف أحدا بتنا في هذا المكان الا أنكم هجمتوا علينا والحقتوا بنا الاذاء وانا أسمي محمود وجماعتي شداد وحماد ومسعود فقال العلام أنت تكذب فأنت أبو زيد الهلالي وجماعتك مرعي ويحي ويونس وقد أتيتم الى هنا لتتعرفوا على بلادنا وعلى أحوالنا وقواتنا ثم تهجمون علينا وتحتلون بلادنا ثم امر الفرسان بالقبض عليه وان لايؤذوه واخذوه مع أصحابة إلى الزناتي فلما دخلوا على الزناتي اخبروه بان هذا الرجل قد الحق بهم الضرر وقتل خيرة فرسانهم فأغتاظ الزناتي من هذا الخبر وقال لأبو زيد مالذي أتاء بكم إلى هنا فقال له مثل ماقال لابن عمة العلام فقال الزناتي لقد كذبت انكم جواسيس علينا ولكم غاية في بلادنا فلابد من قتلكم وكان الزناتي قد استطلع على الأمر عن طريق المنجمين وبعد مشاورة الزناتي للمقربين له استقر الرأي على شنق أبو زيد ومن معه فأخذهم العسكر ومروا بهم من تحت قصر الأميرة سعداء فلما سمعت ضجيج العساكر قامت جاريتها تستطلع الخبر فطلت من الشباك فرات أبو زيد ومرعي ويحي ويونس فصاحت في مولاتها الأميرة سعداء وأخبرتها بان هؤلاء الثلاثة هم مرعي ويحي ويونس وان الرابع العبد هو أبو زيد الهلالي فلما سمعت سعداء الكلام تضايقت لأنها قد تعلقت بمرعي فصاحت على العساكر وقالت لهم ارجعوا إلي أبي بهؤلاء وإياكم إن تقتلوهم وأنا سوف اللحق بكم فلما سمعوا كلامها رجعوا في الحال وهي لبست افخر ثيابها واتت الى أباها ونصحته بعدم قتلهم لعدم ثبوت شئ عليهم


‎وقالت :
‎يايبه لاتذبــــــحون ضـــيوفنا ..... لنا عــــتاده مانذبح الـــــخطار
‎قال :
‎يسعدى قلبي من العبد خــايف ..... يطـــاير من عـــــــيونه شـــــرار
‎أشوف عين الـــــعبد بها نماره ..... يهوم علي لوما الاحبال قصــــار
‎قالت :
‎يايبه هــــــذا عــبد فــي بلاده ..... وعـــــــيونه من كثرالتعبيد كبار
‎قال :
‎ياسعدى قلبي من العبد خايف ..... يهـــــــرج علي هرج وفيهــوعيد
‎قالت :
‎لايايبه والله مامن مــــــــخافه ..... مساكين هزلاء والاهــــــل بعـــيد
‎قال:
‎ياسعدى هــــــذا خيال مجوب ..... وعقبيه من الكد الـــحصان كبــار
‎قالت :
‎لايايبه واللــه مامن مــــــخافه ..... عــــــقبيه من لكد الحصـــــى كبار
‎قال :
‎ياسعدى هـــذا خيال مـــــجرب ..... كفـــــيه من قبض السيــــوف كبار
‎قالت :
‎لا يايبه هذا خباز وراعي مدينه ..... وكفـــيه من لطخ العـــــجــين كبار


‎واقترحت عليه حبسهم في قصرها فوافق على طلبها .
‎فأخذتهم إلى قصرها وقدمت لهم الطعام واجتمعت بمرعي وقالت له كل ولا تخبر أحدا وأحفظ ذلك بالسر ثم فعلت ليحيي ويونس وقالت ليونس أن يرسل لها ابوزيد فلما حضر قدمت له شيئا من الطعام فشكرها على هذا وقسمه الى سبعة أقسام فسألته عن سبب ذلك فقال لها اعلمي انني انا وجماعتي أربعة وأنتي والجارية اثنان والحصة السابعة سأحـــــزمها وأرســــــــــــلها الى ابنة عمي عليا فقالت له سعـــــداء لماذا لاتأكل وحدك فقال .


‎إذا أكلت أنا وجـاعت جمــاعتي ..... فلا عشت عمري لسكــــب الصفائح
‎واذا جمعت أنا وأكلت جماعتي ..... احمد ربي وهو كــــــــريم مسـامح
‎أيا ست زاد اثنين يكـــفي ثلاثة ..... ويكفي أربعة أيا سـت والكل رايـح
‎ويكفي خمسة من أجاويد حينا ..... ويكفـــــي لستة من هلال السـتائح

‎فضحكت سعداء من كلامه وأعجبها وأخرجتهم من الحبس وأحضرتهم الى عندها وأكرمتهم وأخذت تحادثهم وتسألهم عن بلادهم فقال أبو زيد نفس الكلام الذي قاله للغلام والزناتي بأنهم شعراء يأتون لمدح الأمراء طلبا في الثناء عليهم فقالت لهم أنتوا تكذبون فأخبرتهم بأحوالهم وأحوال بلادهم وبما حصل لهم في الطريق وقالت لبو زيد :


‎انا شفتكم من يوم سرتوا من أهلكم ..... ومن يوم تعليتوا على الاكوار

‎فقال أبو زيد :
‎أشوف عـــدينا وعــــــدي ركابنــا ..... وأنا أشــــوف عدينا بغير انكار

‎فقالت :
‎مأنت مـــــرعي ويحـــيى ويونـس ..... وما أنت ابـــو زيــــد يا المــكار
‎تبي بمكرك تاخــــــــذ بالغرب كله ..... وتدعــي قراياها العامرات دمار
‎مارانامن هوى مرعي بليت بحبكم ..... لـــوقطـــعوني بســــيوف بتـار
‎حيــــاة لبيني مــــا أبيح ســـدكم ..... مــن شـان مرعي لو شويت بنار


‎ولما فرغت سعداء من كلامها شكرها أبو زيد على اهتمامها وبأتوا تلك الليلة في سرور ولما أصبح الصبح أمر الزناتي بإحضارهم فلما حضروا قال لابو زيد إذا أطلقناك إلى أن تأتي جماعتكم فكم يوم تغيب عنا وماذا تجيب لنا فقال أغيب ثلاثة شهور وأجيب لك أربع مية إلف مدرع فقال الزناتي وماهو مقصودك من المدرع فأخرج من جيبه قطعة من الفضة وقال هذا هو المدرع ففرح الزناتي بذلك وقال أذهب فقال أعطني عدة حرب وحصان فأعطاه ماطلب وذهب حتى اشرف على وادي الغباين فوجدها كثيرة المياه والنبات وتصلح للحرب والقتال ومرعى للإبل وذهب إلى أماكن أخرى فوجدها أحسن مكان لامتلاك تونس وتعرف على السهول والوديان ولما دخل الى قصر سعداء فرأه مطليا بالرصاص وكان الوقت نصف الليل فأرعدت السماء وأمطرت بشدة فأخذ مرعي ينشد شعرا ممزوجا بالخيبة وكان أبو زيد واقف تحت القصر ويسمع كلام مرعي فراه حارس الباب ففتح له ودخل عندهم وسلم عليهم فقالوا له أين كنت يأبو زيد إلى الآن فقال إنني تهت عن الطريق وانا مسافر الآن واتيت لأودعكم ثم أوصي سعداء عليهم ثم بكى بكاء شديد وودعوه وقال لهم ابوزيد سوف ابذل أقصى جهدي لتخليصكم ثم ودعهم وذهب عنهم وسار لمدة عشرين يوما حتى وصل حلب فجلس في ظل شجرة للراحة فبينما هو جالس اقبل عليه تاجر وحياه وسلم عليه ثم سأله أبو زيد عن حاله فقال أني تاجر قاصد بلاد المغرب فقال له هل تعرف العلام فقال له هو من اعز أصحابي فقال له ابوزيد بأعطيك له كتاب (رسالة ) توصله اليه فوافق التاجرفاخذ أبو زيد يكتب للعلام ويقول : ــ


‎يقول ابو زيد الهـــــــــلالي ســــلامه ..... فمن كان شقــي لاتسعده الايام
‎اوصيك في مرعــــي ويحيى ويونس ..... اولاد اختـــــــي من فــروع اكرم
‎فلابد ماأرجـــــــــــــع اعود وانثني ..... ولابد مااتي بقــــــــــوم لــــــزام
‎بأربع تسعينــــــات الوف عـــدادهم ..... تشبه جرادا منتشـــــر بغمــــــام
‎ولابد مــــن لطمـــــة على باب تونس ..... ويبقى الدما فوق الثـــرى عـوام
‎ولابــد من قـتل الوهـــيدي بصارمي ..... وابقى الزناتي بالقـــــبور ينــام
‎واهـــلك بلاد الـغرب بــــحد صارمي ..... وامـــــلك في الغــــــرب ياغــلام

ثم طوي التاجر الكتاب وذهب الى تونس وعندما قابل العلام اعطاه الكتاب وأما ابو زيد ذهب الى نجد واستقبلوه بنو هلال وقابل الامير حسن وقال أين الأبناء فقال بسجن الزناتي وغضب عليه وقال انت المسؤول فأنت من أخذتهم وانت ماترجعهم فقال ابو زيد لا تخف فانهم في احسن حال وساعيدهم كما اخذتهم وجمع الامير حسن بن سرحان جيشاً يقارب عدد أربعة وعشرين مقاتل ومعهم نسائهم وينقسم هذا الجيش الى ثلاث أقسام قسماً لبني الزحلان بقيادة الامير حسن وقسماً لبني ربيعه بقيادة ابو زيد الهلالي وقسم لبني زعب بقيادة ذياب بن غانم وشدو الرحال الى تونس وهم ذاهبون بالطريق كل ما مروا قبيله او مدينة اخذوا إبلها وغنمها بالقوه ليجمعوا كثيرا من الحلال ليستعدوا لقتالاً طويل مع الزناتيين وعندما وصلوا الى مشارف تونس عزلوا ذياب بن غانم وجيشه ليحرص الإبل والغنم وغضب ذياب وعندما ألحوا عليه قال أوافق بشرط ان اردتوني أشارك بالحرب يأتيني الامير حسن وأبو زيد الهلالي بأنفسهم يطلبوا مني المشتركه فوافقوا واشتدت الحرب وطالت واستمرت الى 10 أشهر وفقدوا بني هلال خيرت فرسانهم وقد أصيب ابو زيد الهلالي وارسلوا الى ذياب بن غانم ورفض ذياب اذهاب اليهم حتى يوفون بشرطه ولكن لضيق الوقت لا يستطيعون الذهاب الى ذياب وكانت الجازيه اخت الامير حسن حاضره في المجلس قالت سوف اجعل الهلاليات يقصن خصلةٍ من شعورهم يستنجدن بذياب وفعلت وارسلت شعور الهلاليات الى ذياب وسرعان ما ركب الخيل وانطلق الى الهلاليين ومع جيشه


واستبشروا الهلاليين بالنصر وقال ابو زيد الهلالي

يقول الهلالي والهلالـي سلامـه
شوف الفجوج الخاليـات تـروع
يقول الهلالي والهلالـي سلامـه
يبغي الطمـع وهـو وراه طمـوع
لابد عقب الوقت من لايـح الحيـا
من بارقن يوصـي سنـاه لمـوع
لابرقـن إلا فـي حجـا مستهلـه
ولا طرقـي إلا مـن وراه نجـوع
ولا ضحك إلا البكـا مردفـن لـه
ولا شبعـة إلا مقتفيهـا جــوع
ولا يـدن إلا يــد الله فوقـهـا
ولا طايـرات إلا وهـن وقــوع
ألا يا حمامتين فوق نبنوب دوحـة
وراكـن فرقـن والحمـام ربـوع
حمامتيـن جعـل تبلـن بـنـادر
حر قطـوع وجـاري لـه جـوع
وراكن مـا تبكـن عليـا مظنتـي
لو كان ما يجـري لكـن دمـوع
أبكي عليها لين حفيـت نواظـري
ولاني بمن تدبيـر الإلـه جـزوع
حشى ما لاق غير الجازي أم محمد
عليها ثويـب الطيلسـان لمـوع
تنفق كما نفق الوغيـد مـع أمـه
وتحط الهوى في قلب كـل ولـوع




وهذه من قصائد الزناتي خليفه





يقـول الزناتـي والزناتـي خليـفـه
نفـس الفتـى لا بدهـا مـن زوالهـا
حلمت ليا ناش(ن ) من الشرق مزنـه
تمطـر كمـا شـوك البلنـزا خيالهـا
مشت خميس( ن) وامطرت يوم جمعـه
وهلـت علـى قومـي مقـدم فعالهـا
مطرهـا السبايـا والصبايـا وبرقهـا
سيوف( ن) تلظا في يمانـي رجالهـا
ياليتنـي مـا صـرت شيـخ لقابـس
واهني نفس ( ن) ما عليهـا ولا لهـا
واهني نفس(ن) ما كلـت مـال مسلـم
ولا اخلطـت مـال اليتامـا بمالـهـا
نظرت بقومي نظرة (ن) مـا تسرنـي
وجيـه العـذارى طلقوهـا رجالـهـا
كبـار اللحـا لا بـارك الله باللـحـي
صغار اللحـي شبـوا بقومـي فعالهـا
الا وابـلادي زينـة الـمـا مريـفـه
مدعوجـة (ن) بالنيـل تنـدا جبالهـا
مساس عن الرمضا دكاك عن الحصـا
والبق والبرغـوث مـا جـا بجالهـا
واشيب عينـي مـن عريـب تنزلـوا
على مجنـب البطحـا وبنـوا حلالهـا
بنـوا حـلال مـن حلالـي قريـبـه
بنـوا حـلال شـاق عينـي دلالـهـا
تـرى خيلنـا تسعيـن الـف نعدهـا
وتذكـر لنـا خيـل الهلالـي مثالهـا
ولوتجتمـع خيـل الهلالـي وخيلـنـا
ابـا زيـد يركيهـا ويركـي مثالـهـا
خان الصفيـرا يـوم خانـت بابوهـا
ولا بنـت الا فـان ابـوهـا دلالـهـا
تشير بربط القـوم واطـلاق عبدهـم
واثـر عبيـد القـوم حامـي ثقالهـا
اثـر عبيـد القـوم زيـزوم سـربـه
يجـر القنـا جـر السوانـي حبالهـا
يشل الدمي شـل الدلـي يـوم تمتلـي
لاماحهـا الزعـاب ثــم ارتكالـهـا
سيفه تعايـوا عنـه صنـاع دمشـق
ليـا ولا جمجمـة الــراس شالـهـا
لكن عوى شامان في طـوس روسنـا
عوا ذيبة ( ن) تعوي لذيب (ن) عوالها
وانا شاهد(ن) للعبد فـي ربـع هدتـه
ثمانيـن مـن قومـي قلايـع رجالهـا
هـذا لـو ان العبـد قـد هـد مثلهـا
علـي كـان التـرك تيتـم عيالـهـا
اثـره اميـر ولـد امـيـر مـجـرب
ليـا هـد تعطيـه السبايـا كفالـهـا
ترى ما يجي عني مثل حذفـه العصـا
واسـرع مـن دور الرحـا اشتغالهـا
ولولا بخـط الرمـل شيفـت منيتـي
بسيـف ذيـاب قـد لابازيـد ازالهـا
هـو قـدم قومـه وانـا قـدم قومـي
وهـو فهـد القنـاص وانـا غزالهـا
حذرا من اللي كفيـت القـدر وجهـه
لا جا جنوب الخيـل صيـروا شمالهـا
اللـي قلـع حـدري ثمانيـن سابـق
كبيشات ما فـي نجـد ربـي امثالهـا
واللي قلعت حدره مـن الخيـل تسـع
والعاشره بالسيف انـا زلـت حالهـا
اليا اعقـر لـه سابـق جـاه مثلاهـا
واليا اعقر لـي سابـق جـا مثالهـا
ان امهلـت دنـاي وادركـت هقوتـي
لازيل الصفيـرى عـن حيـاة تنالهـا
مهبول يا مهبـول مـن يامـن النسـا
ومن يامن الحرمـه الا اقفـت بفالهـا
ليـا بغـت درب الـردا مـا يكودهـا
تاطـاه لـو انـه حمـاقـا رجالـهـا


وكانهم يعلم انه سيقتل وعندما بدأت المعركة طلب ذياب بن غانم منازلت الملك الزناتي خليفه ونازله الزناتي وتقارعوا بالسيوف وطال القتال ولم يصبر الجيشان واشتيك والبنهاية قُتل الزناتي بيد ذياب بن غانم


ورثت سعده بنت الزناتي ابوها في قصيده تقول فيها




تقول فتاة الحيّ سعدىiوهاضها
لها في ضعون الباكيين عويـل
أيا سايلٍ عن قبر الزناتي خليفه
خذالنعت مني لاتكـون iiهبيـل
تراه العالي الـواردات وفوقـه
من الربط عيّساوي بناه iiطويل
وله يميل الغور من سايل النقـا
بهالواد شـرقٍ والبـراع دليـل
أيا لهف كبدي يالزناتي خليفـه
قد كان لعقاب الجيـاد iiسليـل
قتيل لفتى الهيجاء ذياب بن غانم
جراحه كأفـواه المـزاد تسيـل
ياجارنا مـات الزناتـي خليفـه
لاترحـل ألا ان يريـد رحيـل


وأنشد ذياب بن غانم مفتخرا وقال

‎يقول الفتى ذياب بن غانم
‎والنار من جوّ الضلوع شجونها

‎يامير حسن لولا ذياب بن غانم
‎غدا ضعنكم بحرب الزناتي رهونها

‎ولما قتلت الهيدبي وأنت شاهد
‎وأبو زيد حاضر كيفكم تنكرونها

‎طعنته رميته والقنا يقرع القنا
‎بيض العذارى شاخصاتٍ عيونها

‎وملكتم نجد العذيـّه وراضها
‎وقفت بها بيض العذارى فتونها

‎تكاونت أنا والزناتي خليفه
‎وماتعلم الأرواح منهو زبونها

‎وقد راحت الخضرا وشتت بها النيا
‎ومن طول عمري من عدا الوقت اصونها

‎وجاؤوني بني هلال وعامر
‎وجاؤوني بنات هلال ينبونها

‎وجابوا. القماش الحرير الغالي
‎وجابولي الخضراء يكفنونها

‎حفرت لها بالأرض قامه ومثلها
‎خايف وحوش البر لاينهشونها

‎أن مت بالله ادفنوني بجنبها
‎في وسط روضه موضعٍ يدفنونها

‎عسى نلتقي يوم القيامه جميعا
‎وأقبل الخضرا ومسح عيونها



وخاض بني هلال معارك كثيره ومن ضمنها معركه اصيب فيها الفارس ذياب بن غانم الزعبي وكان بني هلال في هذه المعركه ثلاثين رجل هرب منهم عشره وعشره خافوا ولم يتقدموا وتقدم لهم عشره منهم ابوزيد الهلالي وذياب بن غانم وسرور بن قايد وهو من فرسان بني هلال وكان العدو قد نصب كمين لبني هلال وجهز الف رجل للقاء بني هلال وبعد ان التقوا واشتبكوا تقدم واحد من العدو واسمه ( وهق ) وضرب ذياب ضربه جرحته وافقدته الوعي وعندما صحي انشد قصيده يمتدح فيها فعل جماعته الذين صمدوا ويذكر فعل عدوه وهق الذي اصابه يقول ذياب :

*





يقول الفتى الزعبي ذياب بن غانـم
لي راي(ن) اقسى من حديد المبـارد
ولي حربة (ن) سميتها (سم ساعه)
اعـرض بهـا فالكـون مـا كايـد
حنـا بلينـا فالخـلا بالـف فـارس
وحـنـا ثلاثـيـن ولا زاد زايــد
اهل عشر منا تـدب الخيـل بالقنـا
كز(ن) ليا شـروا هشيـم الوقايـد
ابا زيد من ايمنهم وانا من شمالهـم
كما النار لا شبت ببعـض الحصايـد
واهل عشر منا هملوا روس خيلهـم
واهل عشر منا موكديـن الشهايـد
ينخون خيال (ن) بهم مـا عرفتـه
يقولون يا وهـق يـا ابـا العوايـد
ضربني وهق وانا مشيح(ن) لغيـره
وليا الدرع غاد(ن) فوق متني بجايد
ضربني برمح (ن) تسعة ابواع طوله
وقنطاره اللي من ورى الباع زايـد
سديته بسمـاي وثوبـي ومشلحـي
ايضـا ولا سـده جميـع السدايـد
ولكن طاحت الدهما وانا طحت فوقها
يا طيحة(ن) ما هـي لنـا بالعوايـد
ولكن قامت ا لدهمـا تومـي بعدتـه
وانا كما شن (ن) على القـاع بايـد
وانا رفعت الراس من بعـد سـدره
ليا الخيل يدبها سـرور بـن قايـد
على سرج قبا عنـدل بنـت عنـدل
مرفوعة الذرعان مـن خيـل قايـد
قل عشت يا قرم(ن) ثنا دون ربعـه
بيوم (ن) به المسناد والـرد كايـد
حنا عصافير (ن) وابا زيـد سـدره
نلوذ بـه عـن مرهفـات الحدايـد

الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

حرب الفجار

حرب الفِجَار (43 ق هـ / 580م - 33 ق هـ / 590م) هي إحدى حروب العرب في الجاهلية وحصلت بين قبيلة كنانة (ومنها قريش) وبين قبائل قيس عيلان (ومنهم هوازن وغطفان وسليم وثقيف ومحارب وعدوان وفهم). وسميت بالفجار لما استحل فيه هذان الحيان من المحارم بينهم في الأشهر الحرم ولما قطعوا فيه من الصلات والأرحام بينهم.[2]


الفِجَار الأول

ويعرف باسم فجار الرجل وخبره أن أوس بن الحدثان النصري الهوازني باع من رجل من كنانة ذودا له إلى عام قابل يوافي السوق فوافى سنة بعد سنة ولا يعطيه وأعدم الكناني، فوافى النصري سوق عكاظ بقرد فوقفه في السوق ثم قال: "من يبيعني مثل قردي هذا بمالي على فلان الكناني ؟ " يريد أن يخزي الكناني بذلك، فمر رجل من بني كنانة فضرب القرد بالسيف فقتله آنفا مما فعل النصري، فصرخ النصري في قيس عيلان وصرخ الكناني في بني كنانة فتحاور الناس حتى كاد يكون بينهم قتال ثم كفوا وقالوا: " أفي رَباح -أي قرد- تريقون دماءكم وتقتلون أنفسكم"، فيسر الخطب في أنفسهم وكف بعضهم عن بعض.[3][4]


الفِجَار الثاني

وبعرف باسم فجار الفخر أو فجار الرجل وخبره أن أبو منيعة، وقيل أبو معشر بن مكرز وقيل بدر بن معشر، وكان رجلا من بني غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان عارما منيعا في نفسه قدم سوق عكاظ فمد رجله ثم قال يرتجز: (الرجز)

نحن بنو مدركة بن خندف من يطعنوا في عينه لا تطرف
ومن يكونوا قومه يغطرف كأنهم لجة بحر مسدف
ثم قال: "أنا والله أعز العرب فمن زعم أنه أعز مني فليضرب هذه بالسيف"، فضربها رجل من بني قشير بن كعب بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن فخدش بها خدشا غير كبير فتحاور الناس عند ذلك حتى كاد يكون بينهم قتال، ثم تراجع الناس ورأوا أنه لم يكن كبير قتال ولا جراح فقال ابن أبي أسماء بن الضريبة النصري الهوازني: (الخفيف)

سائلي أم مالك أي قوم معشري في سوالف الأعصار
نحن كنا الملوك من أهل نجد وحماة الذمار عند الذمار
ومنعنا الحجاز من كل حي ومنعنا الفخار يوم الفخار
وضربنا به كنانة ضربا حالفوا بعده سوام العشار
فأجابه أمية بن الأسكر الليثي الكناني قائلا:

أبلغا حمة الضريبة أنا قد قتلنا سراتكم في الفجار
وسقيناكم المنية صرفا وذهبنا بالهب والابكار
وقيل بل ضرب رجل الغفاري الكناني رجل من بني دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر هوازن وقال يرتجز:[5] (الرجز)

نحن بنو دهمان ذو التغطرف بحر بحور زاخر لم ينزف
من يأته من العباد يغرف نحن ضربنا قدم المخندف
إذ مدها في أشهر المعرف فخرا على الناس خلاف الموقف
ضربة حر مثل عط الشعف مجهرة حقا برغم الأنف
بصارم يفري الشؤون مرهف يمر في السنور المضعف


الفِجَار الثالث

ويعرف باسم فجار المرأة وخبره أن امرأة من بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وافت عكاظ وكانت امرأة جميلة طويلة عظيمة فأطاف بها فتيان أهل مكة ينظرون إليها وعليها برقع مسير على وجهها فسألوها أن تبدي عن وجهها فأبت عليهم، وكان النساء إذ ذاك لا يلبسن الأزر، إنما تخرج المرأة فضلا في درع بغير إزار، فلما امتنعت عليهم وقد رأوا خلقها وشمائلها لزموها، فقعدت تشتري بعض حاجتها فجاء فتى من أولئك الفتيان رجل يقال له أبو الغشم بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم القرشي الكناني وهي قاعدة فحل أسفل درعها بشوكة إلى ظهرها، فلما فرغت من حاجتها قامت فإذا هي عريانة، فضحك الفتية منها وقالوا: " منعتنا وجهك فقد نظرنا إلى سفلتك "، فكشفت المراة عن وجهها فاذ وجه وضيء فكانوا أشد إغراما عما كانوا بها، وصاحت: " يا لقيس انظروا ما فعل بي "، فاجتمع الناس واجتمع إليها عشيرتها ودنا بعضهم من بعض، وحملوا السلاح وحملته كنانة ثم ترادوا بعد شيء من مناوشة وقتال ووقعت بينهم دماء فتوسط حرب بن أمية سيد كنانة ودفع ديات القتلى وأرضى بني عامر بن صعصعة.[6].[5]

الفِجَار الرابع

ويعرف باسم فجار البراض أو فجار اللطيمة ولهذا قال الشاعر أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:[7]

والفتى من تعرقته الليالي والفيافى كالحية النضناض
كل يوم له بصرف الليالي فتكة مثل فتكة البراض
وقالت العرب في الأمثال: أفتك من البراض لفتكه، وكان البراض بن قيس بن رافع الضمري الكناني فتاكا من فتاك العرب في الجاهلية وخليعا خلعه وطرده قومه بنو ضمرة من كنانة، فحالف بني سهم من قريش، فعدا على رجل من قبيلة هذيل فقتله، فقام الهذليون إلى بني سهم يطلبون دم صاحبهم، فقالت بنو سهم: "قد خلعناه وتبرأنا من جريرته"، فقالت هذيل: "من يعرف هذا؟"، فقال العاص بن وائل: "أنا خلعته كما يخلع الكلب"، فأسكت الهذليون، ولم يروا وجه طلب، فأتى البراض إلى حرب بن أمية العبشمي القرشي وكان سيد كنانة يطلب أن يحالفه، فقال حرب: "إني قد رايت حلفاءك خلعوك وكرهوك"، فقال البراض: "وأنت إن رأيت مني مثل ما راوا فأنت بالخيار إن شئت أقمت على حلفك وإن شئت تبرأت مني"، قال حرب: "ما بهذا بأس"، فحالفه حرب بن أمية فعدا البراض على رجل من قبيلة خزاعة فقتله وهرب في البلاد فطلب الخزاعيون دمه فلم يقدروا عليه.

فأقام البراض باليمن سنة ثم دنا من مكة فإذا الهذليون يطلبونه وإذا الخزاعيون يطلبونه وقد خلع، فقال: "ما وجه خير من النعمان بن المنذر، نلحق به"، فانطلق حتى قدم الحيرة فقدم على وفود العرب حين وفدوا على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، فأقام يطلب الإذن معهم فلم يصل إلى النعمان حتى طال عليه المقام وجفي، وحان بعث النعمان بلطيمة كان يبعث بها إلى سوق عكاظ، فخرج النعمان فجلس للناس بفنائه بالحيرة وعنده وفود العرب وكانت عير النعمان ولطائمه إذا دخلت إلى تهامة لا يهيجها أحد حتى عدا النعمان بن المنذر على أخ بلعاء بن قيس الليثي الكناني وكان سيد بني بكر من كنانة فقتله، فجعل بلعاء بن قيس يتعرض للطائم التي للنعمان بتهامة فينهبها، قد فعل ذلك بها مرتين، فخاف النعمان على لطيمته، واللطيمة هي العير التي تحمل المتاع للتجارة، فقال النعمان يومئذ: "من يجيز هذه العير؟" فوثب البراض وعليه بردة له صغيرة ومعه سيف له قد أكل غمده من حدة فقال: "أنا أجيزها لك"، [8] فقال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب العامري الهوازني وكان سيدا من سادات قيس عيلان يقال له الرحال لرحلاته إلى الملوك: "أكلب خليع يجيزها لك؟، أبيتَ اللعن، أنا أجيرها لك على أهل الشّيح والقَيْصوم من أهل نجد وتهامة"، فقال البراض: "أعلى بني كنانة تُجيرها يا عُروة؟"، فقال: "وعلى الناسِ كلِّهم". فدفع النعمان اللطيمة إلى عروة الرحال وخرج الرحال بالعير، وخرج البراض في أثر عروة الرحال حتى إذا كان في بعض الطريق أدركه البراض فتقدم أمام عيره وأخرح الأزلام يستقسم بها، فمر به الرحال فقال له: "ما تصنع؟" فقال: "إني أستخير في قتلك"، فضحك الرحال وهو لا يَخشى منه شيئاً، لكونه بين ظَهراني قومه من غطفان وهم من قيس عيلان دون الجريب إلى جانب فدك بأرض يقال لها أوارة قريب من الوادي الذي يقال له تيمن فأنزل عروة اللطيمة وسرح الظهر، فدخل البراض على عروة نصف النهار وهو في قبة من أدم فناشده عُروة قائلا: "كانت مني زلّة، وكانت الفعلة مني ضلّة". فضربه البراض بالسيف حتى برد، وخَرج يرتجز قائلا:[8][9]

قد كانت الفَعلة مني ضَلّة هلا على غيري جعلتَ الزلّة
فسوف أَعْلو بالحُسام القُلّة
وقال البراض في ذلك أيضا:

وداهية يهال الناس منها شددت لها بني بكر ضلوعي
هتكت بها بيوت بني كلاب وأرضعت الموالي بالضروع
جمعت لها يدي بنصل سيف أفل فخر كالجذع الصريع
ويعني ببني بكر قومه بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأما بنو كلاب قوم عروة فهم بنو كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان.

وقال البراض أيضا:

نقمت على المرء الكلابي فخره وكنت قديما لا أقر فخارا
علوت بحد السيف مفرق رأسه فأسمع أهل الواديين خوارا
ثم كتب البراض إلى أهل مكة وهم بعكاظ قائلا:

لا شك يجني على المولى فيحملها إذا بحي أبت يحملها الجاني
" أما بعد ذلكم فإني قتلت عروة بن عتبة الرحال بأواره يوم السبت، حين وضح الهلال من شهر ذي الحجة فررت، ومن أجرى ما حضر فقد أجرى ما عليه، إن غدا حيث يثور الريح ينكثني الأمر لك القبيح".

ثم استاق البراض اللطيمة حتى انتهى إلى خيبر، فتبعه إلى خيبر رجلان من قيس عيلان هما المُساور بن مالك الغطفاني وأسد بن خيثم الغنوي، [10] فلقياه بخيبر فلما رأهما نسبهما فانتسبا له إلى سعد بن قيس عيلان فاعتزى هو إلى فزارة فقالا له: " هل أحسست رجلا يقال له البراض من بني بكر؟"، فقال البراض: " سألتما عن لص عاد خليع لبس أحد من أهل خيبر يدخله داره ولكن أقيما ههنا وتلطفا له عسى تظفرا به"، فقالا: "نعم"، ثم مكث ذلك اليوم وجاءهما فقال: "قد دللت عليه فأيكما أجرأ عليه، وأمضى مَقْدماً، وأحدّ سيفاً؟" قال أحدهما: "أنا"، فقال البراض:" انطلق"، وقال للآخر: "إياك أن تريم المكان"، ثم أخرجه حتى أدخله خربة من خربات يهود ثم قال البراض: "هو في هذه الخَرِبة وإليها يَأْوي، فأَنظرني حتى أنظرُ أثمَّ هو أم لا". فوقف له ودخل البرّاض، ثم خرج إليه البراض وقال: "هو نائم في البَيت الأقصى خلفَ هذا الجدار عن يمينك إذا دخلت، فهل عندك سيفٌ فيه صرامة؟"، فقال الغنوي: "نعم"، فقال البراض: " يا أخا غنى! هاتِ سَيفك أنظرُ إليه أصارم هو؟"، فأخذ بقائم السيف فسله والغمد في يد الغنوى فرفع البراض السيف فضربه به حتى قتله، ثم رجع إلى صاحبه فقال: ما رأيت أجبن ولا أكهم من صاحبك، تركته قائماً في الباب الذي فيه الرجل، والرجلُ نائم لا يتقدم إليه ولا يتأخَر عنه، فانطلق معي أنت"، فقال الغطفاني وقيل قال الغنوي:"يا لَهْفاه، انطلق بي حيث أحببت"، فانطلق الغنويُّ والبراض خلفه، حتى إذا جاوز الغنويّ بابَ الخَرِبة أخذ البرَّاض السيفَ من خلف الباب، ثم ضرَبه حتى قتله وأخذ سِلاحَيهما وراحلتيهما، وخرج رجل من اليهود يريد تلك الخربة لحاجته فوجد الرجلين مقتولين، فخرج فزعا مذعورا إلى قومه، فخرجوا فنظروا إلى القتيلين وطلبوا البراض، ونذر بهم فهرب من ساعته وفرق من يهود خيبر أن يظفروا به فخرج من خيبر، [11] ثم أرسل إلى بشر بن أبي خازم الأسدي من بني أسد بن خزيمة فأخبره بقتل الرحال والغطفاني والغنوي واستكتمه وأمره أن ينهي بهذا الخبر إلى عبد الله بن جدعان التيمي القرشي الكناني وهشام بن المغيرة المخزومي القرشي الكناني وحرب بن أمية العبشمي القرشي الكناني ونوفل بن معاوية الدؤلي الكناني وبلعاء بن قيس الليثي الكناني وكانوا سادات كنانة وأشرافها، وقال البراضُ لبشر الأسدي أن قيس عيلان لن ترضى أن تقتل بسيدها غير سيد مثله.

يوم نخلة
خرج بشر بن أبي خازم الأسدي من عند البراض حتى قدم سوق عكاظ فوجد الناس بعكاظ قد حضروا السوق والناس محرمون للحج، فذكر الحديث للنفر الذين أمره بهم البراض، فقالت قريش فيما بينهم: انطلقوا بنا إلى أبي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب فنخبره بعض الخبر ونكتم بعضا ونقول: أن بين أهل نجد وأهل تهامة حدث ولم تأتنا لذلك جلية أمر، فاحجز بين الناس وأقم لهم السوق، ولا ينصرفن ولم تقم السوق وقد ضربوا آباط الإبل من كل موضع، ونقول: "كن على قومك ونحن على قومنا"، فخرجوا حتى جاؤوا أبا براء فذكروا له ذلك، فأجابهم إلى ما أحبوا، وقال: "أنا أكفيكم ذلك وأقيم السوق"، ورجع القوم فقال بعضهم لبعض: "ما هذا برأي أن نقيم ههنا ونخشى أن تُخبر قيس عيلان فيناهضونا ههنا على غير عدة منا وهم مستعدون فيكثرونا في هذا الموسم فيصيبوا منا، الحقوا بحرمكم"، فخرجت قريش مولية إلى الحرم منكشفين، وبلغ قيسا الخبر آخر ذلك اليوم،

فقال لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك العامري الهوازني يحض على الطلب بدم عروة الرحال:

فأبلغ إن عرضت بني نمير وأخوال القتيل بني هلال
بأن الوافد الرحال أضحى مقيما عند تيمن ذي الظلال
وقال أبو براء العامري الهوازني: "ما كنا من قريش إلا في خدعة"، فخرجوا في آثارهم وقريش على حاميتها وهي تبادر إلى حرمها حتى دخلوا الحرم من الليل ونزعت قيس عنهم ولهم عدد كثير، ونادى الأدرم بن شعيب العامري الهوازني بأعلى صوته: "إن ميعاد ما بيننا وبينكم هذه الليالي من قابل فإنا لا نأتلي في جمع"، فقال حرب بن أمية القرشي الكناني لابنه أبي سفيان: "قل لهم إنّ موعدكم قابِل في هذا اليوم".[12] فاستشرى الخبر وتأهبت كنانة وتأهبت قيس عيلان عاما يجمعون لهذه الحرب ويعدون لها.[13]

وقال خداش بن زهير بن ربيعة العامري الهوازني: البسيط

يا شدَةً ما شدَدْنا غَيرَ كاذبةٍ على سَخِينةً لولا البيت والحَرمُ
لما رأَوْا خيلَنا تُزْجَى أوائلُها اسادُ غِيل حَمى أشبالِها الأجَم
واستُقبلوا بضِراب لا كِفاءَ له يُبْدِي من العُزل الأكفال ما كَتموا
بأن الوافد الرحال أضحى مقيما عند تيمن ذي الظلال
ولَوا شلالاً وعُظمُ الخيل لاحقة كما تَخُب إلى أوطانها النَّعَم
ولَت بهم كل مِحْضارٍ مُلَمْلمةٌ كأنَّها لِقْوة يَحْتثها ضَرَم
ولم تقم تلك السنة سوق عكاظ، وكان يوم نخلة كفافا لا على هؤلاء ولا على هؤلاء.

يوم شمطة
توافوا على قرن الحول في الليالي التي واعدت فيها قيس عيلان كنانة من العام المقبل، فسبقت قيس عيلان كنانة بيومين فنزلوا شمطة من عكاظ متساندين على كل قبيلة منهم سيدها، وفي هذا اليوم اجتمعت كنانة وقيس عيلان كلهم.

وأعطى عبد الله بن جدعان خاصة من ماله مئة رجل من كنانة أسلحة تامة وأداة،[14] وجعلت كنانة لكل قبيلة رأسا يجمع أمرهم، فعلى بني عبد مناف حرب بن أمية ومعه أخواه سفيان وأبو سفيان وهو عنبسة ابنا أمية وعلى بني هاشم الزبير بن عبد المطلب ومعه النبي صلى الله عليه وسلم والعباس بن عبد المطلب، ومعهم بنو المطلب عليهم عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، وعلى بني نوفل بن عبد مناف مطعم بن عدي بن نوفل، وعلى بني أسد بن عبد العزى خويلد بن أسد وعثمان بن الحويرث بن أسد، وعلى بني زهرة مخرمة بن نوفل بن أهيب، وعلى بني مخزوم هشام بن المغيرة، وعلى بني جمح أمية بن خلف بن وهب ومعمر بن حبيب، وعلى بني عدي زيد بن عمرو بن نفيل، وعلي بني عامر بن لؤي عمرو بن عبد شمس أبو سهيل بن عمرو، وعلى بني محارب بن فهر ضرار بن الخطاب بن مرداس، وعلى بني الحارث بن فهر عبد الله ابن الجراح أبو أبي عبيدة بن الجراح، وعلى بني سهم العاص بن وائل، وعلى بني عبد الدار عامر بن عكرمة بن هاشم، وعلى بني تيم عبد الله بن جدعان، وعلى الأحابيش وهم الحارث بن عبد مناة وعضل والقارة والديش والمصطلق من خزاعة نحلفهم بالحارث بن عبد مناة الحليس بن يزيد الحارثي وسفيان بن عويف فهما قائداهم، وعلى بني بكر بن عبد مناة بلعاء بن قيس بن عبد الله الليثي، وعلى بني فراس بن غنم عمر بن قيس جذل الطعان، وعلى بني أسد بن خزيمة بشر بن أبي خازم، وأمر الناس إلى حرب بن أمية، وقيل خرجوا متساندين ليس عليهم أمير يكفهم وقيل كانت إمرتهم إلى ابن جدعان لقول زوجة النبي محمد عائشة بنت أبي بكر: "كان حرب الفجار ولم يك يوم في العرب أذكر منها مكث الناس سنة يجمعون ويتعبون للقتال فخرجت قريش من دار عبد الله بن جدعان ورأس الناس يومئذ عبد الله بن جدعان قادهم وسلح الرجال وقسم الأموال"، ولم يحضر من بني تميم أحد إلا من كان محالفا لقريش في مكة كآل زرارة وآل أبي إهاب وأبو يعلى أمية بن أبي عبيدة بن همام الحنظلي ولم يحضر من هذيل أحد.

وتجمعت قيس عيلان وجمعوا الجموع وقادوا الخيل فكانت خيلهم كثيرة يومئذ، واستعانت بثقيف وتجمعت هوازن وسليم جميعا وثقيف وجسر بن محارب وغيرهم ممن لحق بهم من قيس عيلان متساندين على كل قبيلة منهم سيدها، فكان أبو أسماء بن الضريبة النصري وعطية بن عفيف النصري علي بني نصر والخيسق الجشمي على بني جشم وبني سعد بن بكر، وكان وهب بن معتب بن مالك الثقفي وأخوه مسعود على ثقيف؛ وكان على بني عامر بن ربيعة محارب، وعلى الأبناء أبناء صعصعة سلمة بن سعلاء أحد بني البكاء ومعه خالد بن هوذة، وعلى بني هلال بن عامر بن صعصعة ربيعة بن أبي ظبيان بن ربيعة الهلالي، وكان في بني عامر أبو براء وكان في جشم دريد بن الصمة، وكان في بني نصر سبيع بن ربيعة وفي سليم عباس بن حي الأصم الرعلي، فاختلفوا في الرئاسة، فقالت بنو عامر: نرأس أبا براء عامر بن مالك بن جعفر، وقالت بنو نصر بن معاوية وسعد بن بكر وثقيف: نرأس سبيع بن ربيعة بن معاوية النصري، وقالت بنو جشم: بل نرأس دريد بن الصمة؛ حتى كادوا يقتتلون بينهم فمشى بينهم أبو براء فقال: "اجعلوا من ذلك من شئتم فأنا أول من أطاعه وأجاب"، فكف القوم ورضوا وجعلوا على بني عامر أبا براء وعلى بني نصر وسعد بن بكر وثقيف مسعود بن معتب الثقفي وهو رأس ثقيف وأمره إلى سبيع بن ربيعة، وعلى عطفان عوف بن حارثة المري، وعلى بني سليم عباس بن حي الرعلي أبا أنس، وعلى فهم وعدوان كدام بن عمير الجديلي.

فلما نزلوا عكاظ وأقاموا اليوم الثاني قال سبيع بن ربيعة النصري الهوازني: "يا معشر قيس ما كان مسيركم إلى قريش بشيء"، قالوا: "ولم؟" قال: لا ترون لهم جمعا العام"، قال أبو براء: " فما تكره من ذلك؟ تقوم سوقنا وننصرف والغلبة لنا"، فقال له رجل من بني أسد بن خزيمة يسمع كلامه: " بلى والله لتوافين كنانة ولا تتخلف ولا ترى غير ذلك"، فتقاولا حتى تراهنا مائة بعير لمائة بعير فتواثقا على ذلك، فلم يتفرقوا من مجلسهم حتى أوفى موف فقال: "قد طلع من مكة الدهم وجاءت الكتائب يتلو بعضها بعضا"، فقام الأسدي مسرورا وهو يرتجز: الرجز [15]

يا قوم قد وافى عكاظ الموسم تسعون ألفا كلهم ملأم
فقال مسعود بن معتب الثقفي لقيس حين عرف أن قريشا قد جاءت: "دعوني أنظر لكم في القوم فإن يكن في القوم عبد الله بن جدعان فلم يتخلف عنكم من كنانة أحد"، فلم يرعه إلا بعبد الله بن جدعان على جمل معتجرا ببردة حبرة فرجع مسعود بن معتب إلى قيس فقال: "أتتكم قريش بأجمعها"، وتهيأ الناس وصفوا صفوفهم، وقام حرب بن أمية القرشي يسوي صفوف كنانة ومعه إخوته سفيان وأبو سفيان وهو عنبة بن أمية وأبو العاص بن أمية ويومئذ سموا العنابس وقد لبس حرب بن أمية درعين وقيد نفسه ولبس سفيان درعين وقيد نفسه ولبس أبو سفيان درعين وقيد نفسه ولبس أبو العاص درعين وقيد نفسه، وكان معهم العباس بن عبد المطلب في العنابس يومئذ قيد نفسهن معهم أيضا، وقالوا: " لن نبرح حتى نموت أو نظهر عليهم"، وصفت قيس صفوفها وكان الذي يسوي صفوفها أبو براء عامر بن مالك الكلابي العامري الهوازني وأخذ راية كنانة حرب بن أمية وأخذ راية قيس عيلان أبو براء، وخرج الحليس بن يزيد الحارثي الكناني وهو يومئذ سيد الأحابيش فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه أبو حرب بن عقيل بن خويلد العقيلي العامري الهوازني فتطاعنا ساعة حتى كسر العقيلي عضد الحليس بن يزيد ثم تحاجزا ونهض الناس بعضهم إلى بعض فاقتتلوا قتالا شديدا وأبو العاص يرتجز ويقول: الرجز

هذا أوان الضرب في الأدبار بكل عضب صارم مذكار
فكانت قيس عيلان من وراء المسيل وقريش من دون المسيل وبنو كنانة في بطن الوادي وقال لهم حرب بن أمية: " إن أبيحت قريش فلا تبرحوا مكانكم"، وكان على إحدى المجنبتين أبن جدعان وعلى الأخرى كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وقيل هشام بن المغيرة وفي القلب حرب بن أمية، فكانت الدبرة أول النهار لكنانة على قيس عيلان حتى إذا كان آخر النهار صبرت قيس فاستحر القتل في قريش، وانهزمت من قريش بنو زهرة وبنو عدي وقتل معمر بن حبيب ورجال من بني عامر بن لؤي فانهزمت طائفة من قريش وثبت حرب بن أمية وإخواته وسائر قبائل قريش، فلما رأى ذلك الذين في الوادي من بني الحارث الأحابيش من كنانة مالوا إلى قريش وتركوا مكانهم، فلما فعلوا ذلك استحر القتل بهم وصبروا، فقتل تحت رايتهم ثمانون رجلا، فلما رأت ذلك بنو بكر من كنانة قال بلعاء بن قيس استبقاء لهم: "ألحقو برخم "، فاعتزل بهم إلى جبل رخم، وقال: "دعوهم فوددت أنه لم يفلت منه أحد"، وانهزمت كنانة ولم يقتل من قريش أحد يذكر، وزالت قريش آخر النهار بانزيال بني بكر. فكان حكيم بن حزام الأسدي القرشي يقول: " شهدت عكاظ فبنو بكر كانوا أشد علينا من قيس انكشفوا علينا وتركونا "، وكان سعيد بن يربوع المخزومي القرشي يقول: " رأيتنا يومئذ وما أتينا أول النهار إلا من بني بكر انكشفو عنا وتركونا".[16]

وقال خداش بن زهير بن ربيعة العامري الهوازني:

فأبلغ إن عرضت بنا هشاما وعبد الله أبلغ والوليدا
أولئك إن يكن في الناس خير فإن لديهم حسبا وجودا
هم خير المعاشر من قريش وأوراها إذا قدحت زنودا
بأنا يوم شمطة قد أقمنا عمود المجد إن له عمودا
جلبنا الخيل ساهمة إليهم عوابس يدرعن النقع قودا
فبتنا نعقد السيما وباتوا وقلنا صبحوا الإنس الحديدا
فجاؤوا عارضا بردا وجئنا كما أضرمت في الغاب الوقودا
ونادوا يا لعمرو لا تفروا فقلنا لا فرار ولا صدودا
فعاركنا الكماة وعاركونا عراك النمر عاركت الأسودا
فولوا نضرب الهامات منهم بما انتهكوا المحارم والحدودا
تركنا بطن شمطة من علاء كأن خلالها معزا شريدا
ولم أر مثلهم هزموا وفلوا ولا كذيادنا عنقا مذودا
يوم العبلاء
وهو يوم عكاظ الأول، وفيه تجمع الحيان فالتقوا على قرن الحول من اليوم الأول من يوم عكاظ والتقوا بالعَبْلاءِ وهو أعبل صخرة بيضاء إلى جنب عكاظ، ورؤساؤهم هم الذين كانوا عليهم يوم شمطة بأعيانهم، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت كنانة، وقتل العوام بن خويلد الأسدي القرشي الكناني، قتله العاقر مرة بن معتب بن مالك الثقفي، فقال في ذلك رجل من ثقيف:[17]

منَا الذي ترك العوَّام مُنْجدلاً تَنتابه الطيرُ لحماً بين أَحجارِ
وقال خداش بن زهير العامري الهوازني:[18][19]

ألم يبلغك بالعبلاء أنا ضربنا خندفا حتى استقادوا
نبني بالمنازل عز قيس وودوا لو تسيخ بنا البلاد
وقال أيضا:[20]

ألم يبلِغكم أنا جَدَعْنا لَدى العَبْلاءِ خِنْدِف بالقيادِ
ضَربناهم ببطن عُكاظَ حتى تولوا ظالعين من النجادِ
وقال أيضا:

ألم يبلغك ما لاقت قريش وحي بني كنانة إذ أثيروا
دهمناهم بأرعن مكفهر فظل لنا بعقوتهم زئير
نقوم مارن الخطي فيهم يجيء على أسنتنا الجزير
يوم الشرب
وهو أعظم أيام حرب الفجار وقيل أنه أعظم أيام العرب في الجاهلية، وهو رابع أيام حرب الفجار، ويعرف باسم يوم عكاظ الثاني، وفيه احتشد وحضر جميع كنانة وقيس عيلان فالتقوا في شرب من عكاظ قرب مكة على رأس الحول في اليوم الثاني من يومي عكاظ وعليهم رؤساؤهم الذين كانوا قبل، فحمل يومئذ عبد الله بن جدعان التيمي القرشي ألف رجل من بني كنانة على ألف بعير، ويُروى أن زهير بن ربيعة العامري الهوازني والد خداش بن زهير الشاعر قد قتل في حرب الفجار.[21]

وفي هذا اليوم قيد حرب بن أمية القرشي الكناني وسفيان بن أمية القرشي الكناني وأبو سفيان بن أمية القرشي الكناني فسمي هؤلاء الثلاثة يومئذ العنابس وهي الأسود وأحدها عنبسة وقيد العباس بن عبد المطلب القرشي الكناني عم النبي محمد نفسه معهم وقالوا: " لا نبرح حتى نموت مكاننا"، وعلى أبي سفيان يومئذ درعان قد ظاهر بينهما وقيل أن أبا سفيان بن أمية هو الوحيد الذي قيد نفسه، وخرج الحليس بن علقمة الحارثي الكناني وهو رئيس الأحابيش بني الحارث من كنانة يومئذ فدعا إلى المبارزة فبرز إليه الحدثان بن سعد النصري الهوازني فطعنه الحدثان فدق عضده وتحاجزا ولم يقتل أحدهما الآخر. فاقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا واستحر القتل بينهم وثبت الفريقان ثم همت بنو بكر بن عبد مناة من كنانة بالهرب وكانت بنو مخزوم من قريش تلي بني بكر من خلفهم فحافظت بنو مخزوم حفاظا شديدا وكان أشدهم يومئذ بنو المغيرة بن عبد الله وأشد بني المغيرة: أبو عبد مناف هاشم بن المغيرة المخزومي القرشي وذو الرمحين أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي القرشي إذا صابروا وأبلوا بلاء حسنا فقال عبد الله بن الزبعري السهمي القرشي يمدح بنى المغيرة من بني مخزوم:

ألا للهّ قومٌ ولدتْ أُختُ بني سَهْم هشامٌ وأبو عَبد مَنافٍ مِدْره الخَصْم
وذو الرُّمحين أشبال مِن القُوَّة والحَزم فهذان يذُودان وذا مِنْ كَثَب يَرْم
أسود تزدهي الأقران مناعون للهضم وهم يوم عكاظ منعوا الناس من الهزم
وهم من ولدوا أشبوا بسر الجسم الضخم فإن أحلف وبيت الله لا أحلف على إثم
لَمَا من إخوة بين قصور الشام والردم بأزكى من بني ريطة أو أوزن في الحلم
فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة من كنانة صنيع بني مخزوم تذامروا فعطف بلعاء بن قيس الليثي الكناني وعطفت معه بنو بكر وهو يقول :

إن عكاظ مأوانا فخلوه وذا المجاز بعد لن تحلوه
واقتتل القوم قتالا شديدا وحملت قريش وكنانة على قيس عيلان من كل وجه فانهزمت قيس عيلان كلها، وقد صبر أول الأمر من قيس عيلان بنو نصر ثم هربوا فثبت منهم بنو دهمان بن نصر فلم يغنوا شيئا فانهزموا وكان عليهم سبيع بن أبي ربيعة الدهماني النصري الهوازني أحد بني دهمان فعقل نفسه ونادى: " يا آل هوازن يا آل هوازن يا آل نصر" فلم يعرج ويعطف عليه أحد وأجفلوا منهزمين، فكر بنو أمية بن عبد شمس من قريش على بني دهمان خاصة فحاول الخنيسق الجشمس وقشعة الجشمي نصرة بني دهمان وقاتلوا فلم يغنوا شيئا. وانهزمت قيس، وقتل من أشرافهم عباس الرعلي في بشر من بني سليم، وانهزمت ثقيف وبنو عامر، وقتل يومئذ من بني عامر عشرة، فلما رأى ذلك شيخ من بني نصر صاح: " يا معشر بني كنانة! أسرفتم في القتل"، فأجابه عبد الله بن جدعان: " إنا معشر سرف "، ولما رأى أشراف قيس ما تصنع قبائل قيس من الفرار عقل رجال منهم أنفسهم منهم يبيع بن ربيعة وغيره ثم أضطجع وقال:" يا معشر بني نصر! قاتلوا عني أو ذروا"، فعطف عليه بنو نصر وبنو جشم وبنو سعد بن بكر وفهم، وهربت قبائل قيس غيرهم، فقاتلوا حتى انتصف النهار ثم انهزموا.

و قال حرب بن أمية القرشي الكناني لابن أبي براء العامري الهوازني:

متى ما تزرنا تجد حربنا مدربة نارها تسطع
وقوما عليهم من السابغات جياد قوانسها تلمع
مصابيح مثل نجوم السماء وما رفع الله لا يوضع
وقال ضرار بن الخطاب الفهري القرشي:

ألم تسأل الناس عن شأننا ولم يثبت الأمر كالخابر
غداة عكاظ إذا استكملت هوازن في كفها الحاضر
وجاءت سليم تهز القنا على كل سلهبة ضامر
وجئنا إليهم على المضمرات بأرعن ذي لجب زاخر
فلما التقينا أذقناهم طعانا بسمر القنا العائر
ففرت سليم ولم يصبروا وطارت شعاعا بنو عامر
وفرت ثقيف إلى لاتها بمنقلب الخائب الخاسر
وقاتلت العنس شطر النها ر ثم تولت مع الصاد
على أن دهمانها حافظت أخيرا لدى دارة الدائر
وقال جذل الطعان علقمة بن فراس المالكي الكناني:

جاءت هوازنُ أرسالاً وإخوتها بنو سلَيم فهابوا المَوتَ وانصرفوا
فاستُقبلوا بضرِابٍ فَضَّ جَمْعَهم مثلَ الحريق فما عاجُوا ولا عَطَفوا
وقال أمية بن الأسكر الليثي الكناني:

ألا سائل هوازن يوم لاقوا فوارس من كنانة معلمينا
لدى شربٍ وقد جاشوا وجشنا فأوعب في النفير بنوا أبينا
وقالت عاتكة بنت عبد المطلب الهاشمية القرشية الكنانية:[22]

سائل بنا في قومنا وليكف من شر سماعه
قيسا وما جمعوا لنا في مجمع باق شناعه
فيه السنور والقنا والكبش ملتمع قناعه
بعكاظ يعشي الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه
فيه قتلنا مالكا قسرا وأسلمه رعاعه
ومجندلا غادرنه بالقاع تنهشه ضباعه
مدار قيس:
كان مسعود بن معتب بن مالك الثقفي سيد هوازن وأحد سادات قيس عيلان قد ضرب على امرأته سبيعة بنت عبد شمس القرشية الكنانية خباء وكان يجمع الكبول والجوامع فرآها تبكي حين تدانى الناس فقال لها: " ما يبكيك"، فقالت: "لما يصاب غدا من قومي"، فقال لها: " من دخل خباءك فهو آمن"، فجعلت توصل فيه القطعة بعد القطعة والخرقة والشيء ليتسع فقال لها: " لا يتجاوزني خباؤك فإني لا أمضي لك إلا من أحاط به الخباء، لا يبقى طنب من أطناب هذا البيت إلا ربطت به رجلا من بني كنانة وأرجو والله أن أملأ منها قومك"، فأحفظها فقالت: "أنت وذاك أما والله لئن رأيتهم لتعرفن غير ذلك وإني لأظن أنك ستود أن لو زدت في توسعته"، فلما صف القوم بعضهم لبعض والتقت كنانة وقيس عيلان خرجت سبيعة فنادت قومها بأعلى صوتها قائلة: " إن وهبا يأتلي ويحلف ألا يبقى طنب من أطناب هذا البيت إلا ربط به رجلا من كنانة فالجد الجد"، فلما انهزمت قيس عيلان خرج مسعود بن معتب الثقفي لا يعرج على شيء حتى أتى سبيعة بنت عبد شمس القرشية الكنانية زوجته فجعل أنفه بين ثدييها وقال: " أنا بالله وبك"، فقالت: " كلا زعمت أنك ستملأ بيتي من أسرى قومي اجلس فأنت آمن".[23] فدخل من استطاع من قيس عيلان خباءها مستجيرين بها فأجار لها حرب بن أمية القرشي الكناني سيد كنانة جيرانها وقال لها: " يا عمة من تمسك بأطناب خبائك أو دار حوله فهو آمن"، فنادت سبيعة: "من تعلق بطنب من أطناب بيتي فهو آمن من ذمتي"، فاستدارت قيس عيلان بخبائها حتى صاروا حلقة وكثروا جدا فلم يبق أحد لا نجاة عنده إلا دار بخبائها فقيل لذلك الموضع مدار قيس وكان يضرب في الجاهلية بمدار قيس المثل ويعير قيس عيلان بمدارهم يومئذ بخباء سبيعة بنت عبد شمس القرشية الكنانية فتغضب قيس عيلان من ذلك. وأخرج مسعود بن معتب أبناءه: عروة ولوحة ونويرة والأسود، فأمرتهم أمهم سبيعة أن يدورون وهم غلمان في قيس عيلان يأخذون بأيديهم إلى خباء أمهم الكنانية ليجيروهم فيسودوا بذلك.

وقال خداش بن زهير بن ربيعة العامري الهوازني وقيل عوف بن الأحوص بن جعفر العامري الهوازني:[24]

فلما دنونا للقباب وأهلها أتيح لنا ذئب مع الليل فاجر
أتيحت لنا بكر وتحت لوائها كتائب يخشاها العزيز المكاثر
وجاءت قريش حافلين بجمعهم وكان لهم في أول الدهر ناصر
وكانت قريش لو ظهرنا عليهم شفاء لما في الصدر والبغض ظاهر
حبت دونهم بكر فلم نستطعهم كأنهم بالمشرفية سامر
وما برحت بكر تثوب وتدعي ويلحق منهم أولون وآخر
لدن غدوة حتى أتى الليل وانجلت عماية يوم شره متظاهر
وما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت هوازن وارفضت سليم وعامر
وكانت قريش يفلق الصخر حدها إذا أوهن الناس الجدود العواثر
يوم الحُرَيرَة عدل
ثم كان اليوم الخامس وهو يوم الحُرَيرَة وهي حرة قرب نخلة إلى جانب عكاظ مما يلي مهب جنوبها ثم تقبل تريد مكة من مهب صباها حتى تنقطع دوين قرن، وكان فيه الرؤساء الذين كانوا عليهم إلا أبو مساحق بلعاء بن قيس اليعمري الليثي الكناني سيد بني بكر من كنانة فإنه قد مات قبل يوم الحُرَيرَة فصار على بني بكر أخوه جثامة بن قيس الليثي الكناني، فاقتتلوا فانهزمت كنانة وقتل يومئذ أبو سفيان بن أمية القرشي الكناني، وممن أبلى بلاء حسنا من قيس عيلان في يوم الحُرَيرَة: عثمان بن أسيد بن مالك العامري الهوازني وابن عمه ورقاء بن الحارث بن مالك العامري الهوازني.[25][26]

وقال خداش بن زهير بن ربيعة العامري الهوازني:

إنّي مِن النَّفر المُحْمَر أَعْينهمِ أهل السوام وأهل الصَخر واللُّوبِ
الطاعِنين نُحورَ الخَيل مُقْبِلةَ بكل سَمْراء لم تُعْلب ومَعْلوب
وقد بلوتُم فأبلوكم بلاءَهم يوم الحُريرة ضرباً غير مَكذوب
إن توعدوني فإني لابن عمكم وقد أصابوكم منه بشؤبوب
وإن ورقاء قد أردى أبا كنف وابني إياس وعمرا وابن أيوب
وإن عثمان قد أردى ثمانية منكم وأنتم على خبر وتجريب
لاقتْهمُ منهمُ اسادُ مَلْحمة ليسوا بزارعة عُوج العَراقيب
فالآن إن تُقْبلوا نأخذ نحورَكم وإن تباهوا فإني غيرُ مَغلوب
وقال الحارث بن كَلَدة الثَّقفيّ:[27]

تركتُ الفارسَ البَذّأخ منهم تَمُجّ عروقُه عَلقاً غبيطا
دعستُ لبانَه بالرُّمح حتى سمعتُ لِمَتْنه فيه أطيطا
لقد أرديتَ قومَك يا ابنَ صَخْر وقد جَشًمتهم أمراً سَلِيطاً
وكم أسلمتُ منكم من كميِّ جريحاً قد سمعت له غَطِيطاً
انتهاء الحرب والصلح عدل
بعد يوم الحريرة تواعد الحيان من العام المقبل إلى عكاظ فوافوا الموعد وجاءت كنانة وقيس عيلان.

وكان عتبة بن ربيعة العبشمي القرشي الكناني يتيما في حجر ابن عمه حرب بن أمية سيد قريش وكنانة فضربه حرب وأشفق من خروجه معه، فخرج عتبة بغير إذن حرب، فلم يشعر إلا وعتبة على بعيره بين الصفين ينادي: " يا معشر مضر علام تفانون ؟" فقالت له هوازن: "ما تدعو إليه ؟"، قال: " الصلح، انصرفوا فيعد هذا الأمر إلى أحسنه وأجمله فإنكم في شهر حرام وقد عورتم متجركم وانقطعت موادكم وخاف من قاربكم"، قالوا: " لا ننصرف أبدا ونحن موتورون ولو متنا من آخرنا"، قال: "فالقوم قد وتروا وقد قتلوا نحوا مما قتلتم وجرحوا كلما جرحتم"، فقالت قيس عيلان: " قتلانا أكثر من قتلاهم "، فقال عتبة بن ربيعة: " فإني أدعوكم إلى خطة هي لكم صلاح ونصفة، عدوا القتلى فإن كان لكم الفضل ودينا فضلكم، وإن كان لهم وديتم فضلهم". قالوا: " ومن لنا بذلك"، قال: "أنا"، قالوا: " ومن أنت ؟"، قال: " أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس" فرضيت قيس عيلان بذلك وقال أبو البراء العامري الهوازني: " لا يرد هذه الخطة أحد إلا اخذ شرا منها، نحن نفعل "، وأجابوا فاستوثق من رؤساء قيس عيلان من أبي براء وسبيع بن ربيعة، ثم انطلق إلى حرب بن أمية وابن جدعان وهشام بن المغيرة فاستوثق منهم، فرضت كنانة وتحاجز الناس وأمنوا وعدوا القتلى فوجدوا أن قتلى قيس عيلان كانوا أكثر من قتلى كنانة بعشرين رجلا فودتهم كنانة ورهن يومئذ حرب بن أمية ابنه أبا سفيان بن حرب ورهن الحارث بن علقمة العبدري القرشي ابنه النضر بن الحارث ورهن سفيان ان عويف الحارثي الكناني ابنه الحارث في ديات القوم عشرين دية حتى يؤدوها وانصرف الناس كل وجه وهم يقولون: " حجز بين الناس عتبة بن ربيعة فلم يزل يذكر بها آخر الأبد"، ووضعت الحرب أوزارها فيما بينهم وتعاهدوا وتعاقدوا أن لا يؤذي بعضهم بعضا فيما كان بينهم من أمر البراض وعروة والغطفاني والغنوي، وانصرفت قريش فترافدوا في الديات فبعثوا بها إلى قيس وافتكوا أصحابهم، وقدم أبو براء معتمرا بعد ذلك فلقيه ابن جدعان فقال: " أبا براء! ما كان أثقل على موقفك يومئذ؟"، فقال أبو براء: " ما زلت أرى أن الأمر لا يلتحم حتى رايتك فلما رأيتك علمت أن الأمر سيلتحم وقد آل ذلك إلى خير وصلح"، [28] وقيل ودى القتلى حرب بن أمية القرشي الكناني، وزعم بنو كنانة أن القتلى الفاضلين فتلاهم وأنهم هم ودوهم، وبذلك انقضت حرب الفجار فاجتمعت القبائل على الصلح وتعاقدوا ألا يعرض بعضهم لبعض.[23][29]

وأبى وهب بن معتب بن مالك بن كعب الثقفي الصلح، وخالف قومه قيس عيلان وجعل لا يرضى بذلك حتى يدركوا بثأرهم، فقال فيه أمية بن حرثان بن الأسكر بن سربال الموت الليثي الكناني: الكامل

المرء وهب وهب آل معتب مل الغواة وأنت لما تملل
تسعى توقدها وتجزل وقدها وإذا تعاطى الصلح قومك تأتلي
واندس وهب بن معتب حتى أغار بقوم معه من هوازن على بني الملوح وبني مدلج وهما حيان من كنانة بصحراء الغميم بين مكة والمدينة المنورة، وفي القوم سلمة بن سعلاء وقيل ابن سعدي البكائي الهوازني وخالد بن هوذة العامري الهوازني، وناس من بني هلال عليهم ربيعة بن أبي ظبيان الهلالي الهوازني، وناس من بني نصر بن معاوية عليهم مالك بن عوف النصري الهوازني وهو يومئذ أمرد وهذا أول يوم ذُكر فيه، فقاتلوهم وجعل مالك يقاتل ويرتجز: الرجز

أمرد يهدي حلمه شيب اللحى
فقتلت بنو مدلج يومئذ عبيد بن عوف البكائي الهوازني وسبيع بن المؤمل الجسري المحاربي، وأما بنو الملوح فكان النصر أول النهار لهم ثم انهزموا واستحر فيهم القتل، فقتل منهم ثلاثين رجلا وسيقت البهائم.

ثم كان الرجل من الحيين بعد ذلك يلقى الرجل والرجلان يلقيان الرجلين فيقتل بعضهم بعضا، ومن ذلك ابن محمية بن عبد بن جابر الدؤلي الكناني لقي زهير بن ربيعة العامري الهوازني والد الشاعر خداش بن زهير، فقال زهير: " إني حرام جئت معتمرا"، فقال له ابن محمية: " ما تلقى طوال الدهر إلا قلت أنا معتمر"، فقتله ثم ندم فقال يرتجز: الرجز

لاهم إن العامري المعتمر لم آت فيه عذرة المعتذر
وقال في ذلك ربيعة بن علس الشويعر الليثي الكناني:

تركنا ثاويا يزقو صداه زهيرا بالعوالي والصفاح
أتيح له ابن محمية بن عبد فأعجله التسوم بالبطاح
وبعد انقضاء الحرب أرسل عبد الله بن جدعان التيمي القرشي ستين بعيرا مع رجل من حضرموت يرعى له بنجد فعدا أهل نجد على الحضرمي فقتلوه وانتهبوا الإبل، وكان عبد الله بن جدعان قد اتهم خداش بن زهير العامري الهوازني فأمسك خداش عن الحج وخاف قريشا، ثم بعث خداش بعد ذلك بهدي له ينحر بمنى فلما وقف هديه بالمنحر من منى رآه رجال من قريش، فقالوا: " لمن هذه البدن"، فقيل: " لخداش بن زهير"، فقالوا: " ألعدو الله المستحل أموال أهل الحرم لا والله لا تنحر ههنا أبدا"، ثم ضربوا وجوهها من منى فبلغ ذلك خداش بن زهير فقال يهجو ابن جدعان:[30]

إن يك ذو الضرع ابن جدعان سبني فإني بذي الضرع ابن جدعان عالم
أغرك أن كانت ببطنك عكنة وإنك مكفي بمكة طاعم
يسرك أن يهدى لك البرك مصلحا وتضرط إن تجنى عليك العظائم
ولولا رجال من قريش أعزة سُلبتم ثياب البيت والبيت قائم
ولولا بني بكر وحد سيوفهم لجالت عليكم في الحجيج المقاسم
أبى لكم أن النفوس أذلة وأن القرى عن طارق الليل عاتم
وإن الحلوم لا حلوم وأنتم من الجهل طير تحته الماء دائم
مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حرب الفجار

شهد النبي صلى الله عليه وسلم جميع أيام حرب الفجار الرابع إلا يوم نخلة وكان ضمن بني كنانة لكونه منهم.[31] وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم أول ما شهد حرب الفجار 14 سنة وانتهت وهو ابن 20 سنة،.[31]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«قد حضرته مع عمومتي، ورميت فيه بأسهم، وما أحب أني لم أكن فعلت»، [32] وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«كنت أنبل على أعمامي»، [33] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ما سرني أني لم أشهده إنهم تعدوا على قومي عرضوا عليهم أن يدفعوا إليهم البراض صاحبهم فأبوا» [34].