الأحد، 31 يوليو 2016

كليب بن ربيعة

هو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
صفاته

كان كليب من خيرة فرسان بلاد العرب وكان ذكياً وقوياً قتل عدة فرسان أشداء مثل

التبع اليماني وهو الملك حسان كان ملكاً على بلاد اليمن.
الوزير نبهان وهو وزير التبع اليماني.
لبيد الغساني وهو عامل الملك الكندي.
عمران وهو أيضاً عميل التبع اليماني.
أرياط الحبشي ملك اقليم نجران


ملك العرب

لفظ "الملك" غير معروف بالعرب إلا قليل ولم يعرف ملكا في فرعي عدنان مضر وربيعة إلا اثنان هما كليب والملك زهير شيخ قبيلة عبس إلا أنه لم يكن لهما وريث بسبب الحروب التي قامت بعد مقتلهما، لانشغال القبائل بالقتال. ومثال ذلك حرب البسوس بعد مقتل كليب استمرت 40 سنة. وحرب داحس والغبراء قتل إثنائها الملك زهير. ولم يعرف من قبائل معد ملك بعدهما ومعد ينتسب لها ربيعة ومضر.

الملك ونهوض وصعود قبائل معد

قبائل معد التي تعود لعدنان أو العرب العدنانية وهي القبائل الأكبر من عدنان. وبعد سيطرة اليمنية أو قبائل قحطان على العرب سنين عديدة. استطاعت النهوض ومقاسمة السيطرة على بعض أجزاء الجزيرة, بعد هزيمة التبع اليماني من قبل قبائل معد بقيادة كليب.

وهذه القصة حين فض كليب جموع اليمن في خزاز وهو اسم لجبل مازال يعرف باسم خزاز بالقصيم وهزمهم فاجتمعت عليه معد كلها، وجعلوا له قسم الملك وتاجه وطاعته، وغبر بذلك حيناً من دهره، ثم دخله زهو شديد، وبغى على قومه لما هو فيه من عزة وانقياد معدّ له، حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه، وإذا جلس لا يمر أحد بين يديه إجلالاً له، لا يحتبي أحد في مجلسه غيره، ولا يغير إلا بإذنه، ولا تورد إبل أحد، ولا توقد مع ناره، ولم يكن بكرى ولا تغلبي يجير رجلا ولا بعيراً أو يحمى إلا بأمره، وكان يجبر على الدهر فلا تخفر ذمته، وكان يقول: وحش أرض في جواري، فلا يهاج! وكان هو الذي ينزل القوم منازلهم ويرحلهم، ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره، وقد بلغ من عزته وبغيه أنه اتخذ جرو كلب، فكان إذا نزل به كلأ قذف ذلك الجرو وفيه فيعوى، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه، وكان يفعل هذا بحياض الماء فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب، فضرب به المثل في العز فقيل: أعز من كليب وائل، وكان يحمى الصيد فيقول: صيد ناحية كذا وكذا في جواري فلا يصيد أحد منه شيئاً.

تزوج كليب جليلة بنت مرة بن ذهل بن شيبان، وكان لمرة عشرين بنين، جساس أصغرهم، وكانت بنو جشم وبنو شيبان تقيم في دار واحدة إرادة الجماعة ومخافة الفرقة.

يوم خزار
كليب وحرب ربيعة وقضاعة بسبب خزيمة بن نهد القضاعي. نتائج يوم خزار بين ربيعة وقبائل اليمن هو التجاور بين ربيعة وقضاعة. وهي الحرب التي انتصرت بها قبائل ربيعة ورفعت شأن قبائل معد العدنانية. بعد هذا اليوم وهذه الحروب التي خاضتها قبائل ربيعة أصبحوا هم سادة العرب الشماليين بلا منازع، ماعدا قريش التي التزمت مكة وأصبحت تحظى بمكانة دينية عند العرب بسبب قيامهم على الحرم المقدس عند جميع قبائل العرب، واستطاع إعادة الملك القحطاني الملك الحارث بن عمرو بن حجر الكندي.

استوطنت ربيعة في ذلك العهد بلاد نجد في العروض واليمامة كما وصفها الهمداني، فكانت بكر وتغلب ومن معها من بطون ربيعة تتجول في كامل المنطقة من اليمامة جنوبا حتى تصل إلى بادية العراق والشام وقد تصل الجزيرة الفراتية، وكانت قرى اليمامة موزعة على اللهازم وهم قيس بن ثعلبة وعنزة وتيم اللات واتصلت بلادهم كذلك ببلاد البحرين. بعد مقتل القارظ العنزي أصبح كليب بن ربيعة هو صاحب الكلمة العليا في قومه، وقد توج نفسه ملكا على ربيعة وفي عهد اندلعت حرب البسوس الربعية.

‎ كليب مع ارياط الحبشي
‎قبل عام الفيل بـ 23 سنة (547 م) غزا الاحباش (المخا) بقيادة ارياط الحبشي، وكان أول من تصدى للغزو الحبشي هو الملك اليهودي اسار ابن ذي نواس، حيث قاتلهم في المخا في معركة كبيرة، انتصر فيها الاحباش، فعسكروا بها وضربوا حاميتهم فيها. واصل الاحباش تقدمهم حتى دخلوا صنعاء وكان ارياط الحبشي هو الامير وابرهة وزيره وساعده الايمن.
‎كان الملك اسار يهودياً متعصباً ليهودية وهذا مامنعه من طلب العون والمساعدة من اهل السراة لأنه حنفاء، فظل يقاتل الاحباش ويقاومهم لوحده طيلة 5 سنوات، ودارت عدة معارك بين الاحباش واهل صنعاء، قتل فيها سبعمائة حبشي والف يماني، وبنى الاحباش كنيسة القليس.
‎توفي الملك اسار، فأعتلى سيف بن ذي يزن العرش (وهو يهودي ايضاً) وكان اذكى من سلفه، فأستغاث الملك سيف بن ذي يزن بالملك كليب أن يطرد الاحباش من صنعاء، فأستجاب كليب وخرج على رأس الجيش متوجها الى صنعاء فعسكر بشمالها وضرب حاميته.
‎دنى كليب من قصر ارياط بجيشه وحاصره، واشتبك جنده مع جند ارياط، وقتلوا من الاحباش مقتلة عظيمة (اكثر من 8 الاف قتيل) وتسلق كليب اسوار الحصن وانفرد بأرياط فقتله، ثم رأى ابرهة يفر من القصر فلحق به وفي يده حربة له، وخلف أبرهة غلامه عتودة يمنع ظهره، فرفع كليب الحربة فضرب أبرهة يريد يافوخه، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفته (بذلك سمى أبرهة الأشرم) فاستسلم ابرهة لكليب وأصبح اسيراً.
‎هرب فلول الاحباش وركبوا السفن الى الحبشة، ودخل قادتهم على النجاشي ابجر في قصره واخبروه عن الهزيمة التي لحقت بهم على يد العرب، فغضب النجاشي غضبا شديدا عليهم، فحلق رؤوسهم وخصاهم.
‎في صنعاء استلم الملك سيف بن ذي يزن الاسرى الاحباش من كليب بن ربيعة وكان عددهم مائة اسير على رأسهم ابرهة الاشرم، فأرسل الملك سيف بن ذي يزن رسالة الى الملك النجاشي يطلب منه فداء الاسرى الاحباش ووزيره ابرهة، فأرسل النجاشي الذهب والفضة، فقام ذي يزن بتحرير الاسرى وارسلهم في سفينة الى الحبشة، فخلت صنعاء من الاحباش وعادت الحياة فيها الى طبيعتها.
‎دخل ابرهة على النجاشي، وطلب من السماح والعفو، فأمر النجاشي بضرب ابرهة بالسياط وحلق شعر رأسه، فأخذوه وصلبوه وضربوه في عز الظهيرة، حتى مضت اسابيع، فخلو سبيله، فظل ابرهة عامين في الحبشة هائم بلا عمل.

‎قصة كليب مع سيف ذي يزن
‎بعد ان استتب الامر للملك سيف ذي يزن وعاد لاينازعه أحد على ارضه، تحالف مع ملك اليمامة الكندي وملك نجد زهير بن جناب القضاعي، وحاولوا تقليص نفوذ العدنانيين، لاسيما هوازن وعبس وذبيان في اليمامة، بعد ان سيطروا على ارض النعام ونصبوا جذيمة العبسي ملكاً عليها (ارض النعام في العصر الحديث هي نعام والدلم والحوطة والحريق).
‎فرض ملك اليمامة (لبيد الكندي) الضرائب على قبائل غطفان وهوازن، فوقعت معركة الكلاب التي انتصرت فيها غطفان وهوازن على بنو كندة، فأستنجد الكندي بحلفائه ملك نجد (زهير بن جناب القضاعي) وملك اليمن سيف بن ذي يزن، وانتصروا على غطفان وهوازن في معركة الصفقة، وأخذوا منهم اسرى.
‎فأستنجدت هوازن وغطفان بملك السراة (كليب بن ربيعة) فجمع كليب هوازن وقريش وغطفان وربيعة، وأعدوا خطة للقضاء على ملوك (نجد واليمامة واليمن) فتوجهوا الى نجد، وبلغ الملك زهير بن جناب القضاعي اجتماع قريش وربيعة وهوازن وغطفان ومسيرهم، فاستنفر حلفائه من كندة وقحطان واليمن، فساروا اليه بجيوشهم (6 الاف) وعسكروا في خزاز.
‎جمع كليب بن ربيعة جيوش (العدنانية) قريش وهوازن وغطفان وربيعة وعدوان (3 الاف) ووزعهم على 13 فرقة، وأعد خطة للانسحاب الخادع.
‎التقى الجمعان وانتشر جيش قضاعة وكندة وذي يزن على شكل كتائب متفرقة واستطاعت نبالهم من إصابة الكثير من خيل العدنانية وتدريجيا بدأ جيش العدنانية بإلقاء دروعهم وتروسهم تخففا للتراجع الخادع.
‎بقيت ميمنة الحارث بن عباد وميسرة المغيرة المخزومي ثابتة قابعة بقرب جبل خزاز دون حراك، حتى شاهدوا التراجع الخادع، فألتفوا خلف جبل خزاز وهاجموا مؤخرة جيش قضاعة وكندة فسحقوهم، فعاد كليب بالجيش في هجمة مرتدة سريعة واطبق على وسط جيش قضاعة وكندة.
‎قال كليب بعد الانتصار الساحق في خزاز :
‎قد عرفت قحطان صبري ونجدتي .. غداة خزاز والحتوف دوان
 شفيت النفس من ذل كندة .. وأورثتها ذلا بصدق طعــــان
دلفت إليهم بالصفائح والقنـــــا .. على كل ليث من بني غطفان
وقريش قد جزت مقاديم قضاعة .. فصدقها في صحوها الثقلان

‎هرب ملك نجد (زهير بن جناب القضاعي) الى صنعاء ولجأ عند صهره الملك سيف ذي يزن (شقيقة الملك زهير “نتيلة بنت جناب” زوجة سيف ذي يزن)
‎ارسل كليب شقيقة الزير سالم الى اليمامة، على رأس سرية من اربعمائة فارس، انضم اليهم فرسان هوازن وبنو عبس، وقتلوا ملك اليمامة لبيد الكندي وجنوده.
‎قال الزير سالم :
‎إِن يَكُن قَتَلنا المُلوكَ خَطاءً أَو صَواباً .. فَقَد قَتَلنا لَبيدا
وَجَعَلنا مَعَ المُلوكِ مُلوكاً .. بِجِيادٍ جُردٍ تُقِلُّ الحَديدا
نُسعِرُ الحَربَ بِالَّذي يَحلِفُ الناسُ بِهِ .. قَومَكُم وَنُذكي الوَقودا
أَو تَرُدّوا لَنا الإِتاوَةَ وَالفَي ءَ .. وَلا نَجعَلُ الحُروبَ وعيدا
إِن تَلُمني عَجائِزٌ مِن نِزارٍ .. فَأَراني فيما فَعَلتُ مُجيدا

‎جهز كليب بن ربيعة حملة جمع بها فرسان ربيعة وهوازن وانطلق الى صنعاء ودارت بينهم وبين جيش سيف ذي يزن معركة حامية انتصر فيها كليب، واقتحموا قصر سيف بن ذي يزن وقتله كليب، وبعد مقتل سيف بن ذي يزن اختار كليب الحارث المذحجي ملكاً على اليمن

حرب البسوس ومقتل كليب

وحدث أن كليباً دخل على امرأته جليلة (المنتمية إلى قبيلة بكر بن وائل أخوة قبيلة تغلب قبيلة كليب) يوماً فقال لها: هل تعلمين على الأرض أمنع مني ذمة؟ فسكتت، ثم أعاد عليها الثانية فسكتت، ثم أعاد عليها الثالثة فقالت: نعم، أخي جساس (وهو جساس بن مرة، كان فارساً شهماً أبياً، وكان يلقب الحامي الجار، المانع الذمار، وهو الذي قتل كليباً، مات سنة 534م) وندمانة، ابن عمه عمرة المزدلف بن أبى ربيعة بن ذهل ابن شيبان. فسكت كليب، ومضت مدة، وبينما هي تغسل رأسه وتسرحه ذات يوم إذ قال لها: من أعز وائل؟ قالت: أخواي جساس وهمام. فنزع رأسه من يدها وخرج.

وكانت لجساس خالة اسمها البسوس بنت منقذ، جاءت ونزلت على ابن أختها جساس، فكانت جارة لبنى مرة، ولها ناقة خوارة، ومعها فصيل لها، فلما خرج كليب غاضباً من قول زوجه جليلة رأى فصيل الناقة فرماه بقوسه فقتله. وعلمت بنو مرة بذلك، فأغمضوا على ما فيه وسكتوا، ثم لقي كليب ابن البسوس فقال له: ما فعل فصيل ناقتكم؟ فقال: قتلته وأخليت لنا لبن أمه، وأغمضت بنو مرة على هذا أيضاً.

ثم أن كليباً أعاد القول على امرأته فقال: من أعز وائل؟ فقالت: أخواي! فأضمرها في نفسه وأسرها وسكت، حتى مرت به إبل جساس وفيها ناقة البسوس، فأنكر الناقة ثم قال: ما هذه الناقة؟ قالوا: لخالة جساس. فقال: أو بلغ من أمر ابن السعدية (أي جساس) أن يجير عليّ بغير إذني؟ ارم ضرعها يا غلام، فأخذ القوس ورمى ضرع الناقة، فاختلط دمها بلبنها.

جساس يثور ويغدر بكليب عدل

وراحت الرعاة على جساس فأخبروه بالأمر، وولت الناقة ولها عجيج حتى بركت بفناء البسوس، فلما رأتها صاحت: واذلاه! فقال لها جساس: اسكتي فلك بناقتك ناقة أعظم منها، فأبت أن ترضى حتى صاروا لها إلى عشرا، فلما كان الليل أنشأت تقول بخطاب سعداً أخا جساس وترفع صوتها تسمع جساساً:

يا أبا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل فإني في قوم عن الجار أموات
ودونك أذوادي إليك فإنني محاذرة أن يغدروا ببنياتي
لعمرك لو أصبحت في دار منقذ لما ضم سعد وهو جار لأبياتي
ولكنني أصبحت في دار معشر متى يعد فيها الذئب يعدو وعلى شاتي
فلما سمعها جساس بن مرة قال لها: اسكتي لا تراعي إني سأقتل جملاً أعظم من هذه الناقة، سأقتل غلالاً، وهو فحل إبل كليب لم ير في زمانه مثله، وإنما أراد جساس بمقالته كليباً.

ثم طعن ابنا وائل بعد ذلك، فمرت بكر على نهى أي غدير يقال له شبيث، فنفاه كليب عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على نهى آخر يقال له الأحص فنفاهم عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على بطن الجريب (واد عظيم) فمنعهم إياه، فمضوا حتى نزلوا الذنائب، واتبّعهم كليب وحيه حتى نزلوا عليه، فمر عليه جساس ومعه ابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل، وهو واقف على غدير الذنائب، فقال له: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشا! فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون، فقال له: هذا كفعلك بناقة خالتي، فقال له: أوقد ذكرتها أما إني لو وجدتها في غير إبل مرة لا استحللت تلك الإبل بها أتراك مانعي أن أذب عن حماي، فعطف عليه جساس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضني (الحضن مادون الإبط إلى الكشح).

فلما تداءمه الموت قال: يا جساس، اسقني من الماء، فقال: ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه، فالتفت إلى عمرو وقال له: يا عمرو، أغثني بشربة ماء، فنزل إليه وأجهز عليه.

فقالت العرب

المستجير بعمرو حين كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
وصيته

ويذكر رواة القصة أنه كتب وصية لأخيه المهلهل بدمه يقول فيها:

هديت لك هدية يا مهلهل
عشر ابيات تفهمها الذكاه
وأول بيت أقول استغفر الله
إله العرش لا يعبد سواه
وثاني بيت أقول الملك لله
بسط الأرض ورفع السماء
وثالث بيت وصى باليتامى
واحفظ العهد ولا تذكر سواه
ورابع بيت أقول الله أكبر
على الغدار لا تنسى أذاه
وخامس بيت جساسٍ غدرني
شوف الجرح يعطيك النباه
وسادس بيت قلت الزير خيي
شديد البأس قهار العداه
وسابع بيت سالم كون رجال
لأخذ الثار لا تعطي وناه
وثامن بيت بالك لا تخلي
لا شيخ ولا كبير ولا فتاه
وتاسع بيت بالك لا تصالح
وإن صالحت شكوتك للإله
وعاشر بيت إن خالفت قولي
أنا وياك إلى قاضي القضاة

في حين يشكك البعض في تلك القصيدة لأنها بلهجة عامية وليست بلغة عربية فصحى، كما أن العرب سابقا لا يتحدثون إلا باللغة العربية الفصحى وخاصة أهل البادية.

السبت، 16 يوليو 2016

نفيل بن حبيب

‎نفيل بن حبيب الاكلبي التغلبي، امير قبائل ربيعة، يكنى (ابي نزار) أحد فرسان العرب الذين تصدوا لجيش ابرهة الحبشي (عام الفيل) كان من حنفاء العرب، وكان ثرياً يملك المراعي والخيول.
‎كان نفيل أحد الاثرياء العرب الـ ستة الذي سكنوا قصور الرخام، وهم : زهير العبسي وكليب بن ربيعة وكبير بن حبيب ومعاوية الكندي والمغيرة المخزومي، والذي قال فيهم عروة بن الورد (عجبت لساكن قصر الرخام .. وجاره يبيت على الحجر)


‎نـسـب نفيل بن حبيب
‎ابوه : حبيب بن تيم اللات بن مبشر بن اكلب بن غنم بن تغلب بن ربيعة بن ابان بن خزيمة بن زيد بن عامر بن ربيعة.
‎امه : خديجة بنت الحارث بن زهير بن حبيب بن غنم بن تغلب بن ربيعة بن ابان بن خزيمة بن زيد بن عامر بن ربيعة.

‎ سيرة نفيل بن حبيب
‎ولد نفيل بن حبيب جنوب مكة المكرمة، قبل عام الفيل بـ 27 سنة، من اسرة ثرية جداً، ونشأ في بيت علم وادب حيث تعلم القراءة والكتابة والانساب والشعر، كما تعلم ملة ابراهيم عليه السلام وكان ملماً بتاريخ العرب و انسابهم.
‎كان نفيل يحب حياة الانطلاق، يركب حصانه وينطلق معه الى المراعي والجبال والسهول والاودية يجوبها ويصطاد حيواناتها، ويعود الى مكة يجالس رجالها ويستمع الى قصصها وأخبارها.
‎غزوة ابرهة الحبشي
‎غزوة ابرهة الحبشي وقعت قبل مولد رسول الله عليه الصلاة والسلام بشهور قليلة، ووقعت بها 4 معارك اولها معركة هرجاب التي هزم بها ابرهة، والثانية معركة تربة والثالثة معركة المغمس والرابعة معركة الحرم
‎القصة تبدأ حين اقسم ابرهة الحبشي للملك النجاشي ان يدمر ماتعبد العرب لينشر النصرانية في جزيرة العرب، فجهز النجاشي جيش بقيادة أبرهة الحبشي وعرف من طريق جاسوسه عتودة ملك السراة قُتل، فأستغل ابرهة قتال العرب في السراة وانشغالهم بحرب البسوس.
‎كان أبرهة الاشرم قائد الجيش وعتودة الحبشي من قواده، فساروا ومعهم الفيل محمود، وكان جيشهم عرمرم يبلغ 50 الف مقاتل من الاشداء.
‎سمعت العرب بمسير ابرهة الحبشي، فرأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا أنه متوجه لمكة المكرمة، فجهز نفيل بن حبيب الاكلبي الجيش، حتى إذا تقدم ابرهة بأرض السراة، فقال نفيل بن حبيب :
‎أين المفر والإله الطالب .. والأشرم المغلوب ذاهب
والحبشي هـارب .. والتغلبيُ غالــب

‎هزيمة ابرهة في هرجاب
‎اعترض نفيل بن حبيب الاكلبي لجيش ابرهة الحبشي في فرسان من بنو ربيعة عددهم سبعة الاف فقاتلوهم ودارت بينهم معركة طاحنة لم تشهد العرب من قبلها، حيث التف فرسان بنو يشكر بقيادة الحارث بن عباد على مؤخرة جيش الاحباش وقتلوا منهم مقتلة عظيمة.
‎قُتل من جيش الاحباش اكثر من 17 الف، وجرح اكثر من 10 الاف، واستشهد من جيش ربيعة نحو 3 الاف وجرح نحو مائتان، وهُزم ابرهة في هرجاب فصاح عتوده بالجيش ليتراجعوا، فأنسحب الاحباش وتراجعوا ونزلوا في نجران، ومكثوا بها 40 ليلة يعيدون ترتيب الجيش، فيما بقي بنو ربيعة يداوون جرحاهم ويدفنون قتلاهم.

‎معركة تربة
‎اتجه ابرهة شرقاً فأعترض له ذي نفر في جيش عددهم الف فارس، في (تربة) فقاتلهم، وانتصر ابرهة وأخذ ذي نفر أسيرا فأتي به فلما همَّ بقتله قال له ذي نفر : أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب (وكان ابرهة حليماً وصبورا) فخلى سبيله، وخرج معه حتى يدله على الكعبة ولكن ذي نفر اتجه به الى الطائف حتى لا يذهب الى الكعبة، فخرج إليه اهل الطائف واخبروه ان الكعبة لاتوجد في الطائف، فقام ابرهة بأسر (ذي نفر) مرة اخرى وأخذه معه متوجهاً إلى مكة.

‎معركة المغمس
‎مضى ابرهة الى مكة فأعترض له عوف الغنوي في جيش بنو غني ودارت بينهم معركة المغمس، وقُتل أبو رغال الحبشي بسهم رجل من المغيرة المخزومي، فدفنوه هناك، وعسكر ابرهة في المغمس 11 ليلة، ثم بعث رجلا حبشي يقال له الأسود المقصود على رأس كتيبة له فساق إليه أموال انعام قريش وغيرهم وأصاب فيها خيل لـ عبدالمطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها.


‎وبعث أبرهة حناطة إلى بكة (بطن مكة) وقال له (سل عن سيد هذا البلد وشريفهم ثم قل له إن الملك يقول : إني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تعرضوا لي بحرب فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به).
‎ فلما دخل حناطة بكة سأل عن سيد قريش فقيل له (عبدالمطلب بن هاشم) فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبدالمطلب (هذا بيت الله الحرام وبيت ابونا إبراهيم عليه السلام فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته).
‎ ثم وصل أبرهة قادماً من المغمس ونزل وجيشه بذي المجاز وضربوا له خيمة، واستاقوا سرح مكة وفيها خيل عبدالمطلب، ودخلوا بطن مكة ليلاً، حتى طلع الفجر أتى الراعي الهذلي نذيرا فصعد الصفا فصاح (واصباحاه) ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل، فخرج عبدالمطلب ومعه ربيعة بن عبدشمس، وتوجه إلى أبرهة.
‎فكلم حناطة أبرهة فقال له (أيها الامير هذا سيد قريش وهو صاحب الحرم وعين مكة يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال) وكان عبدالمطلب أوسم قريش، وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه عن أن يجلسه تحته فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه (قل له حاجتك فقال له ذلك الترجمان فقال : حاجتي أن يرد علي الامير مائتي ناقه أصابها لي، فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه : قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في مائتي ناقه أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه) قال له عبدالمطلب (إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا يحميه) قال ابرهة (ما كان ليمتنع مني) قال عبدالمطلب (أنت وذاك) فرد عليه ابله.
‎فخرج عبدالمطلب ومر بمعسكر فيه ذي نفر، ودخل عليه وهو في محبسه فقال له (يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟) فقال له ذو نفر (وما غناء رجل أسير بيدي امير ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا!)
‎وأنصرف عبدالمطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شغف الجبال والشعاب تخوفا عليهم معرة الجيش ثم قام عبدالمطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة، وجنده فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة، وقال :
‎يا رب لا أرجو لهم سواكا .. يا رب فأمنع منهم حماكا
‎إن عدو البيت من عاداكا .. إنهم لن يقهروا قواكا
‎ثم انطلق عبدالمطلب هو ومن معه من قريش إلى شغف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل ببكة إذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول بكه وهيأ فيله وعبأ جيشه.
‎معركة الحرم
‎فأقبل حمزة النمر في فرسان من بنو نمر وبنو ذهل وبنو عبدشمس وفيهم (حرب بن امية) وبنو مخزوم فيهم (المغيرة المخزومي) وهجموا على جيش ابرهة بالسهام، فسقط من الاحباش اكثر من 70 قتيلا، فأمر عتوده الجيش بالهجوم، فأستل مخزوم ونمر وذهل سيوفهم ودارت بينهم معركة استشهد فيها سبعة وسبعون من نمر وذهل ومخزوم، وقُتل اكثر من مائتان من جيش ابرهة.
‎جُرح المغيرة المخزومي في كتفه فقال  :  
‎اللهم إن العبد يمنع رحله .. فامنع رحالك .. وانصر على ال الصليب وعابديه .. آلك
لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم غدواً محالك .. إن كنتَ تاركهم وقبلتنا .. فشيء بدالك

‎وجه الاحباش الفيل محمود الى الكعبة فأستدار ناحية اليمن يهرول فووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، فأقبل نفيل بن حبيب سيد ربيعة على فرسه مسرعاً في ركب من قومه، ثم وثب حتى عام إلى جنب الفيل ثم مسح على خرطومه وقال له (أبرك محمود وأرجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام) فبرك الفيل، فضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى.
‎فهم عتوده بقتل نفيل بن حبيب فسل نفيل سيفه وقتل عتوده، فأتى حناطه والاسود المقصود واحاطوا بنفيل فألتف نفيل بسيفه وركل الاسود في صدره حتى اسقطه ارضاً وضرب حناطه بالسيف ثم غرس السيف في صدر الاسود.
‎صاح ابرهة لجنوده ليقتلوا نفيل، فتحلق الاحباش بنفيل، فأنطلق ابونويرة التغلبي على حصانه يضرب الاحباش بسيفه، فأمطر فرسان بنو اكلب الاحباش بوابل من السهام، فسقط اكثر من خمسون قتيلاً، ثم امتطى نفيل حصانه وبدأ يضرب في الاحباش، فجرحه احدهم في ساقه، ثم اتت اسراب الطيور من ناحية البحر، فخرج نفيل بن حبيب مسرعاً على حصانه يشتد حتى أصعد في الجبل.
‎فغطت الطيور سماء بكة وكانت أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار : حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي جاءوا منها ويسألون عن من يدلهم على الطريق.
‎فخرجوا يتساقطون بكل طريق و يهلكون بكل مهلك على كل سهل، وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم، فأنقشعت الطيور بإتجاه البحر، وقدمت قريش الى الحرم، فقال عبدالمطلب (إن هذه الطير غريبة بأرضنا وما هي بنجدية، ولا تهامية، ولا حجازية، إنها أشباه اليعاسيب).
‎ظل الاحباش يحملون ابرهة الاشرم حتى قدموا ساحل اليمن يريدون ركوب السفينة الى الحبشة، فمات ابرهة فدفنوه هناك.

الأحد، 10 يوليو 2016

ليلى العفيفة

لَيْلى بنت لكيز بن مرّة بن أسد العَفِيفَة (ت. نحو 144 ق هـ / 483 ( شاعرة عربية جالهية من قبيلة ربيعة بن نزار وهي ابنة عم البراق بن روحان وحبيبته وزوجته[1].


قصتها مع البراق

نشأت في حجر أبيها وبرعت بفضلها وكانت أملح بنات العرب في عصرها وأجملهن خصالا، آية في الجمال تامة الحسن كثيرة الأدب وافرة العقل شاع ذكرها عند العرب حتى خطبها كثيرون من سراتهم ، وكانت ليلى تكره أن تخرج من قومها وتود لو أن أباها زوجها بالبراق بن روحان ابن عمها. إلا أنها لم تعص أمر أبيها وصانت نفسها عن البراق تعففاً فلقبت بالعفيفة.
وكان والدها يتردد على عمرو بن ذي صهبان ابن أحد ملوك اليمن فيجزل عطيته، ويحسن إكرامه، فخطب منه ليلى وجهز إليه بالهدايا السنية، فأنف أن يرد طلبته، وأمل أن يكون الملك فرجاً لشدائد قومه، وحصناً في جوارهم، وذخيرة في عظائم أمورهم، فصعب الأمر على البراق لما بلغه الخبر، وأتى إلى أبيه وإخوته وأمرهم بالرحيل للبحرين فارتحلوا وونزل على بني حنيفة [2] .

وثارت في أثناء ذلك حرب ضروس بين بني ربيعة قوم البراق وقبائل قضاعة و طيء. فاتسع الخرق ودارت الدوائر على بني ربيعة. هذا والبراق معتزل عنهم برجاله لرغبة عمه عنه بابنته ليلى. فاجتمع إليه كليب بن ربيعة و أخوه المهلهل بن ربيعة يستنجدونه فقالوا له: يا أبا النصر قد طم الخطب ولا قرار لنا عليه. وأنشده كليب:
إليك أتينا مستجيرين للنصر فشمر وبادر للقتال أبا النصر
وما الناس إلا تابعون لواحد إذا كان فيه آلة المجد والفخر
فناد تجبك الصدي من آل وائل وليس لكم يا آل وائل من عذر
فأجابه البراق مُتهكماً:
وهل أنا إلا واحد من ربيعة أعز إذا عزوا وفخرهم فخري
سأمنحكم مني الذي تعرفونه أشمر عن ساقي وأعلوا على مهري
وأدعو بني عمي جميعاً وإخوتي إلى موطن الهيجاء أو مرتع الكر
ثم ردهم خائبين وبلغ الأعداء امتناع البراق من القيام بقومه، فأرسلوا إليه يعدونه بما شاء من الكرامة والسيادة فيهم إن آزرهم على قتال ربيعة. فأخذت البراق الغيرة لذلك، وزال ما كان في قلبه من الحقد والضغينة على قومه وأجاب بني طيء :
لعمري لست أترك آل قومي
وأرحل عن فنائي أو أسير
بهم ذلي إذا ما كنت فيهم
على رغم العدى شرف خطير
أأنزل بينهم إن كان يسر
وأرحل إن ألمَّ بهم عسير
ألم تسمع أسنتهم لها
في تراقيكم وأضلعكم صرير
وأمر رجاله بالركوب فركبوا وامتطى هو مهرته وكسر قناته وأعطى كل واحد من إخوته كعباً منها وقال لهم: حثوا أفراسكم، وقلدوا نجبائكم قلائد الجزع في الاستنصار لقومكم وانشد قائلا:
أقول لنفسي مـرة بـعـد مـرة
وسمر القنا في الحي لا شك تلمع
أيا نفس رفقاً في الوغى ومسـرة
فما كأسها إلا من السـم ينـقـع
إذا لم أقد خيلاً إلى كـل ضـيغـم
فآكل من لحم العـداة وأشـبـع
فلا قدت من أقصى البلاد طلائعـاً
ولا عشت محموداً وعيشي موسع
إذا لم أطأ طياً وأحلافهـا مـعـاً
قضاعة بالأمر الـذي يتـوقـع
فسيروا إلى طي لنخلـي ديارهـم
فتصبح من سكانها وهي بلـقـع
فامتثلوا رأيه وتفرقوا في أحياء ربيعة ، واستصرخوا قبائلهم، فجزعت ربيعة لجزع البراق، وأخذت أهبتها للحرب وتواردت قبائلها من كل فج وعقدوا له الرئاسة في قومه، ثم ساروا إلى ديار قضاعة وطيء وفي مقدمتهم البرَّاق و كليب بن ربيعة و المهلهل بن ربيعة و أبو نويرة التغلبي و الحارث بن عباد , فتقابل الجيشان فخرج نصير الطائي وهو من أشد الناس باساً و أقواهم مراساً. فقال البراق :
دعاني سيد الحيين منا
بني أسد السميذع للمغار
يقود إلى الوغى ذهلاً وعجلاً
بني شيبان فرسان الوقار
وآل حنيفة وبني ضبيع
وأرقمها وحي بني ضرار
وشوساً من بني جشم تراها
غداة الروع كالأسد الضواري
وقم بني ربيعة آل قومي
تهيأوا للتحية والمزار
إلى أخوالهم طي فاهدوا
لهم طعناً من العنوان واري
صبحناهم على جرد عتاق
بأسياف مهندة قواري
ولولا صائحات أسعفتهم
جهاراً بالصراخ المستجار
لما رجعوا ولا عطفوا علينا
وخافوا ضرب باترة الشفار
فيا لك من صراخ وفاتضاح
ونقع ثائر وسط الديار
أنا ابن الشم من سلفي
نزار كريم العرض معروف النجار
وحولي كل أروع وائلي سديد
الرأي مشدود الإزار

فأغاروا عليهم، وانطبق عليهم فرسان البراق من كل جانب فبرّحوا بهم القتل وانهزم الباقون، ثم عاد القوم إلى القتال وطالت الحرب بينهم، تارة لقوم البراق وأخرى عليهم، إلى أن ظفر بأعدائه وامتلأت أيديه من الغنائم وانقادت له قبائل العرب. وكان قد فك أسرى قومه، واسترجع الظعائن وكانت من جملتهن ليلى العفيفة، واصطلحت القبائل بعد ذلك وأقروا للبراق بالفضل والشرف الرفيع [3].

إختطافها

بعد الحرب أرسل عمرو بن ذي صهبان خطيب ليلى إلى لَكيز والدها يستنجزه وعده في أمر ابنته. فلم ير بداً من إجابة دعواه، إلا أن خبر حسن جمال ليلى وأدبها وأخلاقها الحميدة وشعرها وعفتها قد ذاع في الامبرطوية الساسانية وبلغ خبرها عند أحد أمراء فارس وكان ابناً لكسرى ملك العجم فقال لحاشيته : ما عسى أن نبلغ منها، والمرأة العربية تفضل الموت على أن يغشاها أعجمي، فقالوا له : نرغبها بالمال ومحاسن الطعام والمشارب والملابس.
وفي أحد الأيام نزل لكيز وبعض من معه من ربيعة نواحي من بلاد فارس فكمن الأمير لهم في الطريق وأرسل فرساناً أسروا ليلى وسبوها في طريقها وحملوها إلى فارس مُرغَمة. ثم حاول الزواج بها وراح يعرض عليها عبثاً كل ما يُشتهى ويُستطاب وهددها وتوعدها وعرض عليها جميع المشتهيات والمرغبات وخوفها بجميع العقوبات ، وعاملها بأقسى أنواع التعذيب ليرى وجهها، ولكنها أبت ذلك وامتنعت عليه، وتعففت وتمنعت، فلم يزدها الأمر إلا رفضاً وإصراراً وخيرته بين أن يقتلها أو يعيدها إلى قومها، ولما يئس منها أسكنها في موضع، وأجرى عليها الرزق واكتفى منها برؤية قوامها بين حين وحين الظاهر تحت ملابسها,ولما ضيق عليها العجم وضربوها لتقنع بمراد ملكهم [4],جعلت تستصرخ بالبراق وبإخوتها وتهدد بني أنمار وإياد وكانوا وافقوا العجم على سبيها :-
لَيتَ للِبَرّاقِ عَيناً فَتَرى
ما أُقاسي مِن بَلاءٍ وَعَنا
يا كُلَيباً يا عُقَيلاً وَيلَكُم
يا جُنَيداً ساعِدوني بِالبُكا
عُذِّبَت أُختُكُمُ يا وَيلَكُم بِعذابِ
النُكرِ صُبحاً وَمَسا
يَكذِبُ الأَعجَمُ ما يَقرُبُني
وَمَعي بَعضُ حِساساتِ الحَيا
قَيِّدوني غَلّلِوني وَاِفعَلوا
كُلَّ ما شِئتُم جَميعاً مِن بَلا
فَأَنا كارِهَةٌ بُغيَتُكُم وَمَريرُ
المَوتِ عِندي قَد حَلا
أَتَدُلّونَ عَلَينا فارِساً يا بَني
أَنمارَ يا أَهلَ الخَنا
يا إِيادُ خَسِرَت صَفقَتُكُم وَرَمى
المَنظَرَ من بَرد العَمى
يا بَني الأَعماصِ إِمّا تَقطَعوا
لِبَني عَدنانَ أَسبابَ الرَجا
فَاِصطِباراً وَعَزاءً حَسَناً
كُلُّ نَصرٍ بَعدَ ضُرٍّ يُرتَجى
قُل لِعَدنانٍ فُديتُم شَمِّروا
لِبَني الأَعجامِ تَشميرَ الوَحى
وَاِعقِدوا الراياتِ في أَقطارِها
وَاشهَروا البيضَ وَسيروا في الضُحى
يا بَني تَغلِبَ سيروا وَاِنصُروا
وَذَروا الغَفلَةَ عَنكُم وَالكَرى
وَاِحذَروا العارَ عَلى أَعقابِكُم
وَعَلَيكُم ما بِقيتُم في الوَرى[5]

سمع راعي غنم عربي القصيدة فأسرع الخطى يريد ديار أهلها، حتى بلغ البراق وأنشده على عجل صرخة ليلى وما إن أكمل الراعي شعرها حتى وضع البراق رجله في الركاب واعتلى صهوة جواده وبلغ بني ربيعة استنجاد فتاتهم استفزتهم الحمية وخنقتهم العبرة، فحشد البواق بن روحان الفرسان وسار إلى بلاد العجم. فانشد في قومه يحثهم لقتال الفرس :
لم يبق يا ويحكم إلا تلاقيها
ومسعر الحرب لاقيها وآتيها
لا تطمعوا بعدها في قومكم
مضر من بعد هذا فولوها مواليها
فمن بقي منكم في هذه فله
فخر الحياة وإن طالت لياليها
ومن يمت مات معذوراً وكان له
حسن الثناء مقيماً إذ ثوى فيها
إن تتركوا وائلاً للحرب يا مضر
فسوف يلقاكم ما كان لاقيها
أبلغ بني الفرس عنا حين تبلغهم
وحي كهلان أن الجند عافيها
لابد قومي أن ترقى وقد جهدت
صعب المراقي بما تأبى مراقيها
أما إياد فقد جاءت بها بدعاً
في ما جنى البعض إذ ما البعض راضيها

وقال أيضاً:
لا فرجن اليوم كـل الـغـمـم
من سبيهم في الليل بيض الحرم
صبراً إلى ما ينظرون مقدمـي
إني أنا البرَّاق فـوق الأدهـم
لارجعن اليوم ذات الـمـبـسـم
بنت لكيز الـوائلـي الأرقـم

وأنشد كذلك:
أمن دون ليلى عوقتنا الـعـوائق
جنود وقفر ترتعيه النـقـانـق
وعجم وأعراب وأرض سحـيقة
وحصن ودور دونها ومغـالـق
وغربها عني لكيز بـجـهـلـه
ولما يعقه عنـد ذلـك عـائق
وقلدني مـا لا أطـيق إذا ونـت
بنو مضر الحمر الكرام الشقائق
وإني لأرجوهم ولـسـت بـائس
وإني بهم يا قوم لا شك واثـق
فمن مبلغ برد الأيادي وقـومـه
بأني بثاري لا محـالة لاحـق
واجتمعت لديه قبائل ربيعة بن نزار وأحلافهم لحرب الفرس ولم يزل يكد ويسعى حيناً بالقتال وآخر بالحيلة حتى انتصر عليهم، وخلص ليلى من يد مغتصبيها، واستنقذها منهم وأعادها إلى ديار بني ربيعة، فأثنى عليه قومه ثناء جميلاً واستحق أن يفوز بها ليتكلل حبهما العفيف بالزواج. لكنه فجع بقتل أخيه غرسان في ارض الفرس فقال فيه:
بكيت لغرسان وحق لـنـاظـري
بكاء قتيل الفرس إذ كـان نـائيا
بكيت على واري الزناد فتى الوغى
السريع إلى الهيجاء إن كان عاديا
إذا ما علا نهـداً وعـرض ذابـلاً
وقحم بـكـرياً وهـز يمـانـيا
فأصبح مغتـالاً بـأرض قـبـيحة
عليها فتى كالسيف فات المجاريا
وقد أصبح البراق في دار غـربة
وفارق إخوانـاً لـه ومـوالـيا
حليف نوى طاوي حشاً سافح
دمـاً يرجع عبرات يهجن البـواكـيا [6].

أشعارها

بعدما أعاد البراق ليلى وتزوجها تولى رئاسة قومه بني تغلب زمناً طويلاً، وصارت قبائل ربيعة بحسن تدبيره أوسع العرب خيراً وتوفي نحو عام 479 م وقد قالت مرثية فيه وفي أخوه غرسان:
قَد كانَ بي ما كَفي مِن حُزنِ غَرسانِ
وَالآنَ قَد زادَ في هَمّي وَأَحزاني
ما حالُ بَرّاقَ مِن بَعدي وَمَعشَرِنا
وَوالِدَيَّ وَأَعمامي وَإِخواني
قَد حالَ دوني يا بَرّاق مُجتَهِداً
مِنَ النَوائِبِ جُهدٌ لَيسَ بِالفاني
كَيفَ الدُخولُ وَكَيفَ الوَصلُ وا أَسَفا
هَيهات ما خِلتُ هَذا وَقتَ إِمكانِ
لَمّا ذَكَرتُ غَريباً زادَ بي كَمَدي
حَتّى هَمَمتُ مِنَ البَلوى بِإِعلانِ
تَرَبَّعَ الشَوقُ في قَلبي وَذُبتُ
كَما ذابَ الرَصاصُ إِذا أُصلي بِنيرانِ
فَلَو تَراني وَأَشواقي تُقَلِّبُني
عَجِبتُ بَرّاقُ مِن صَبري وَكِتماني
لا دَرَّ دَرُّ كُلَيبٍ يَومَ راحَ وَلا أَبي
لُكَيزٍ وَلا خَيلي وَفُرساني
عَنِ اِبنِ رَوحانَ راحَت وائِلٌ كَئَباً
عَن حامِلٍ كُلَّ أَثقالٍ وَأَوزانِ
وَقَد تَزاوَرَ عَن عِلمِ كُلَيبُهُمُ
وَقَد كَبا الزَندُ مِن زَيدِ بنِ رَوحانِ
وَأَسلَموا المالَ وَالأَهلينَ وَاِغتَنَموا
أَرواحَهُم فَوقَ قُبٍّ شَخصَ أَعيانِ
حَتّى تَلاقاهُمُ البَرّاقُ سَيِّدُهُم
أَخو السَرايا وَكَشفِ القَسطَلِ الباني
يا عَينِ فَاِبكي وَجودي بِالدُموعِ
وَلا تَمَلَّ يا قَلبُ أَن تُبلى بِأَشجانِ
فَذِكرُ بَرّاقَ مَولى الحَيِّ مِن أَسَدٍ
أَنسى حَياتي بِلا شَكٍّ وَأَنساني
فَتى رَبيعَةَ طَوّافٌ أَماكِنَها
وَفارِسُ الخَيلِ في رَوعٍ وَمَيدانِ

وعاتبتها ولامتها الشاعرة أم الأغر بنت ربيعة التغلبيه أخت كليب بن ربيعة و الزير سالم على جزعها لموت البرَّاق فردت عليها:
أم الأغر دعي ملامك واسمعي
قولاً يقيناً لست عنه بمعزل
براق سيدنا وفارس خيلنا
وهو المطاعن في مضيق الحجفل
وعماد هذا الحي في مكروهه
ومؤمل يرجوه كل مؤمل

ومن قصائدها:
تزود بنا زاداً فليس براجع
إلينا وصال بعد هذا التقاطع
وكفكف بأطراف الوداع تمتعاً
جفونك من فيض الدموع الهوامع
ألا فاجزني صاعاً بصاع
كما ترى تصوب عيني حسرة بالمدامبع[7]